العزلة vs الوحدة ,,

[Da Vinchi]

توطئة ؛

في العزلة تلتهم نفسك ,, وبين الجموع تلتهمك أعداد لا متناهية ,,

فريدريك نيتشه

حدث ؛

فاجأني أحد الأخوة في جلسة سمر (( بريئة جدا (؛ )) بـ وصفي انسان وحيد أقدس الوحدة لـ درجة المرض !!
لم اختلف معه كثيرا في هذه الملاحظة سوى في لفظ (( الوحدة )) وما تعنيه من انعكاسات وانطباعات مسبقة عن الشخص الوحيد والتي تعني المرض على حد قوله ,, وعذرته لعدم معرفته القوية بي وكان استنتاجه محض قراءة سطحية عابرة ,, << أكلت معاه

شرحت له أني لا أقدس الوحدة ,, بل أمقتها كثيرا ,, وهي لا تقدم سوى الأفكار السلبية وتخلق نوعا من الجدار الفاصل بين الشخص وواقعه ,,
الانسان بطبعه اجتماعي ,, وكوني اجتماعيا لا يعني أن أكون متواجدا في كل مكان وفي كل وقت ,, متفرغ لـ جلسة الأنس كل نهاية أسبوع وكل إجازة ,, فلكل شخص طريقته في قضاء وقته الخاص ,, والانكباب على الكتب لا يعني أني وحيد مختل !

اسمحوا لي بالبربر قليلا حتى يتضح المراد << معليش تحملوه
كثيرا ما تباغتني في خيالاتي اللامحدودة فكرة أن أكون وحيدا على ظهر هذا الكوكب ,, أو أي كوكب سواه شريطة أن يكون مشابه لـ كوكبنا في ملامحه << أهم شيء يكون فيه نهر جاري أمام كوخي الخشبي
وأكاد أجزم أن الكثير قد شاركني مثل هذه الفكرة ,,
فكلنا نلجأ للعزلة (( الخلوة )) من وقت لوقت ولفترة كافية فقط نعيد فيها التوازن والسلام الداخلي ,,
وأنا هنا أحاول أن أفرق بين (( الوحدة )) و (( العزلة )) ,, تلك العزلة التي قصدها الفيلسوف نيتشه في عبارته الشهيرة ,,
فالاختلاط الاجتماعي ضروري ولكن لا يمكن أن أقدمه على حساب عزلتي ,, وهذا لا يعني أني وحيد بالضرورة !

لفظ (( وحدة )) يشير إلى الشعور باندفاع قوي تجاه الفراغ وعدم الرغبة في الرفقة والمشاركة في عمل ما مع شخص آخر ,,
وقد يكون تأثير هذا الشعور على الوحيد لدرجة تصعب عليه تكوين اتصال بشري سليم ,,

من منا لم تصادفه أوقات يكون فيها وحيد ؟!
أجبرته ظروف معينة ؟!
أو اختار ذلك عن سابق إصرار ؟!

الوحدة تختلف كلية عن كون الشخص في لحظة ما وحيد ومعزول ,,
الساعي وراء الوحدة ,, بمعنى يكون وحيدا في فترة ما ,, هو سلوك إيجابي ممتع ومجدد عاطفيا وجامح عقليا على شرط أن تكون تحت تحكمنا ,, وهي هنا تعني العزلة ,, تلك الحالة من البقاء وحيدا معزولا عن باقي البشر والتي تتضمن اختيار واعي للوحدة ,,
وعلى المدى القصير تعني عزلة مادية خالية مما قد يصرف الإنتباه فترة لتسهيل التركيز والتأمل والعمل والتفكير والراحة بدون أي إزعاج وانتهاك الخصوصية ,,

أما الوحدة ,, كـ حالة ,, فهي الإحساس المغمور بـ شعور لا يطاق من الإنفصال على مستوى عميق ,, وهذا الإحساس قد يظهر كـ الشعور بـ الرفض ,, الكآبة ,, عدم الأمان ,, يأس ,, عدم جدارة ,, إستياء ,, وهذه حالة مرضية ,,

وطبيعة المدن الكبيرة ونمط الحياة الحديثة فيها يكرس الشعور بالوحدة والانقطاع عن المجتمع المحيط على الرغم من الإحاطة بالكثير من البشر ,, هذا الشعور بفقدان الهوية في جمهور مجهول لا يعكس حقيقة أننا أشخاص نعاني من الوحدة ,, وإنما هي تركيبة المجتمع الحديث والحياة المدنية وكثرة مشاغلها تظهرنا كـ أشخاص وحيدين معزولين مرضى نعاني من الرهاب الاجتماعي !
وهذا غير صحيح ,, فما هو إلا انطباع شكلي أخذه المتأمل فينا بعين القاصر الغير مدرك للعوامل والظروف الختلفة ,,
على سبيل المثال ,, مشاركتنا في المنتديات ,, هل هي رفاهية تكفينا مشقة الاجتماع في ندوات مفتوحة وما يتطلبه ذلك من تنقل وجاهزية ووقت ؟؟
أم هي أحد أشكال العزلة المفروضة علينا من قيود البيئة المحيطة ؟؟

فلولا المنتديات لما تسنى لنا أن نقرأ للجنس الآخر ,, وهذا لا يعني جنوح الفتيات للوحدة المرضية ,, وإن كانت عزلة مفروضة غير مرغوب فيها ربما !

ختاما
العزلة المؤقتة أو الممتدة لفترة طويلة تقود لـ ابداعات فنية غالبا ,, لا يعني هذا أن الفضل وحده يعود لـ الوحدة نفسها ,, وإنما لها تأثير على مادة الفنان وعباراته كـ كاتب ,,

وأذكر رواية غابرييل جارسيا ماركيز (( مائة عام من العزلة )) ,, رواية تحكي قصة أجيال من مجتمع داخل إطار من العزلة ,,
وليس كما يتبادر إلى الذهن من عنوان الرواية !!

من لديه إضافة في هذا الموضوع فأرجوه ألا يبخل علينا بها ,,
أحكوا لنا عن تجاربكم الخاصة

مع الوحدة طبعا مو شيء ثاني

تحياتي لكم ,,