::.. قُــروبْ الـكِـتَـــابَة ..::

[* تركي *]

/

( حُسن الخُلق )

لَقد خَلق الله بَني آدم مِن تُرابٍ مُختلفٌ ألوانه وَ جَعل مِنهم الأعراق المُتعددة وَ الأجناس المتباينة ، وَ بَث فِيهم الروح الطيبة وَ مَهد لهم الأرض لـِ عمارتها وَ الحياة فيها . وَ مِن هَذا المنطلق تتعدد المهام وَ تتشعب الأهداف ضِمنَ إطارِ البحث عن لُقمة العيش ، وَ مِن حَكمة الخالق – عَزّ وجل – أن بَعث المُرسلين مِنَ الأنبياء وَ الرسل يدعون لـِ تشريعاتٍ سماوية وَ عَقائِد ذات أُسس سَليمة صَحيحة تُنظم العلاقات البَشرية وَ قبل ذلك عَلاقة العبد بـِ ربه . وَ لعل مِن أعظم ما تَدعو إليه سائر الأديان السماوية هو (حُسن الخلق) . فـَ هِي بـِ مَثابة ضَوابط مُحكَمة تُيسر التعايش بين الناس وَ تضبط مشاعرهم وَ تُسهل التعامل فيما بينهم ، فـَ مَتى ما وُجِدت مَتى ما كَونت مُجتمع راقي مُترابط الأطراف مُتماسك القوى .

تَعظُم أهمية (حُسن الخلق ) فِي ديننا الإسلامي وَ تَتجلى فِي صورٍ كَثيرة وَ آثارٍ عَديدة . إِذ كَثيراً ما نَرى ارتباط الإيمان بمكارم الأخلاق ، قال الرسول – عليه الصلاة والسلام – : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وَ قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره " وَ قال : " لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له " . وَ لعلنا نَضرب بـِ أرقى صور مكارم الأخلاق ، فـَ هَذا مُحمد – عليهِ الصلاة والسلام - رَسولُ الله وَ نَبيُ الأمة وَ هو الغنيُّ المُعتد وَ ذاكَ أنس – رضي الله عنه – الخادم الفقير ، وَ رغم ذلك لم يواجهه قط بـِ ما يَكره بَل كان من أعطف الناس عليه وَ أحسنهم فضلاً إليه . لَقد عَلم صَحابتهِ الكرام أوجه الخير وَ مكارمِ الأخلاق ، فـَ أَصبحوا مِن ألطفِ الخلقِ سَريرةً وَ أجمعهم طِيبةً ، وَ لم يَكن ذلك لـِ يفقدهم الوَقار وَ القوة فِي الحق .

إن حُسن الخلق مِن أَرفع الخِصال وَ أيسر العادات وَ أَرقى الصفات ، إِذ نراه كـَ شمسٍ مُتقدة وَسط ظُلماتٍ دَامِسة ، فـَ هو الطيب فِي العشرة وَ اللينُ فِي الجانب وَالسِعة فِي الصدر وَ النقاءُ الدَائم وَ إفشاء المَحبة وَ الحَياءُ فِي النفس وَ الصدقُ فِي التعامل وَ الإخلاصُ فِي العَمل وَ اللطفُ فِي التواصل وَ الأمانةُ فِي الأسرار وَ التآخي فِي المِحَن وَ التآلف فِي الصِعاب وَ البَسمة فِي اللقاء وَ الإحسانُ فِي التجاور وَ التَعاون فِي الحاجيات وَ الهَديةُ فِي الزيارات وَ ما إلى ذلك مِن مكارِم الأخلاق وَ الصفاتِ النَبيلة .

وَ مِن المَألوف أن النَفس الإنسانية إن لم يُعتنى بها أصبحت كـَ الموجِ الأجاجِ العتيد لا طمأنينة تَغمرها وَ لا نقاء يُصاحبها ، وَ مِن دائرةِ الفرد إلى كَنفِ المجتمع الواسع ، لا أواصِر تَجمعه وَ لا تآلف يُؤلفه ، فـَ يَتلاشى الإخاء وَ يعم الظلم وَ الفساد بينَ العباد . إِذاً حرياً بكَ أن تسأل نَفسك وَ تقوم ذاتك وَ تطهر قلبك ، أَينَ أنت مِن مَعايير التَعامل الراقي ؟ هَل تحليت بها ؟ كَيف تتصف بها ؟ وَ لعلّ أعظم وَ أجل معيار لـِ حُسنِ الخلق هو أن تُحب لـ الآخرين ما تحب لـِ نفسك ، فـَ اجعلها ميزان لـِ محاسبة ذاتك . وَ تذكر أن الخُلق الطَيب الذِي يُعتد به يجب أن يكون راسخاً في النفس ، شَامخاً فِي القَلب ، قَوياً فِي الحَق ، لا يحتقرن من المعروفِ شيئاً . بِذلك تَكن – إن شاء الله – مِمن اعتلت عليهم أمارات حُسن الخلق ، نورٌ على نور ، وَدوداً بينَ الناس مَحبوباً إليهم ، كـَ حاملٍ لـِ المسك يُحذيك الطَيب مِن كلِ جانب .

حُسن الخلق هو الدين ، وَ الدين هو الفَضائِل وَ مكارمها ، وَ إن مثلها فِي الدين مثل الجواهر فِي غورِ البحار ، إِذ أنها عُملة نادرة فِي زماننا ، فـَ اغرس فِي نفسك صَلاحها بـِ التحلِي بفضائِل الأخلاق وَ اسقها مِن كوثرٍ رقراق مَاء النُصحِ وَ الإرشاد ، وَ زَكها حَتى تَرتقِي فِي سَجاياك وَ تَعتلِي فِي تَقواك ، تَطيبُ بكِ معاشرةُ الأصحاب وَ تكن من الأخيار .