((بَــ عْ ــضٌ مِنْ تـَ خَ ــيّـلـِنـَـا))

[شــفــافـــة]

طفل خلق من مشاعرنا....ولد من رحم الحب...طفل حبلنا به سوياً!...
بعضه سكن أحشائي وبعضه الآخر في جوفه..
سنتان بقي فيهما جنين!...ولم يبصر النور إلا بعد انقضاء المخاض الذي استمر سنة كاملة!
شكلنا ملامحه بأيدينا... ورسمنا تفاصيله الصغرى... كما حلمنا به تماماً, كان حلماً مشتركاً
فجاء طفلنا أقرب إلى الكمال..
ولد الطفل عظيماً .... كبيراً.... في عينيه بريق الخلود..
وولدت لنا معه حياة جديدة ... كأننا لم نعش قبله!
كأن روحينا وضعت فيه!... كان الكل يبارك لنا علناً ويحسدنا في سره...
رأوا بريق الخلود في عينيه فزاد غيظهم وتناجوا فيما بينهم بأنه سيموت!
ككل الأطفال الذين ماتوا من قبله...
لأن عقولهم أصغر من أن تستوعب هذا الإعجاز...ولأنه ولد في عالم يسوده الدمار
فتعاهدنا أن نحافظ عليه من أعينهم ومن عالمهم...أبقيناه بيننا وحرمناهم لذة رؤيته,قطعنا كل محاولاتهم في الوصول إليه...وأحطناه باهتمامنا
أخذناه بعيداً عنهم...اخترعنا له علم ملائكي ليس فيه سوانا
أطعمناه فيض احساسنا وأسقيناه وصالنا ووهبناه كل مايمكننا تقديمه...وأكثر!!
لأنه فريد... لأنه لايتكرر...حملنا فوق طاقة البشر! ومانحن سوى بشر
ومع مرور السنين كبر طفلنا وصار يتساءل عن ذاته أكثر وعن عالمه...
-هل أنا حقيقي؟!...ولماذا أعيش وحيداً لاشيء يشبهني؟؟!
-هل ما أعيشه واقع؟..
وصار يتساءل أكثر عن أمه و أبيه
-مابالهم يتألمون..ويتبادلون الجروح هدايا؟!
وأفقنا على صفعة أسئلته...فقررنا أن نعيده إلى عالمنا الحقيقي
لكنه لم يعتد على هذه الضوضاء..ولم يرَ دماراً من قبل
فجعله الخوف ينطوي على ذاته أكثر....وتلاشى بريق الخلود في عينيه
حتى صار أعمى...ومجنون!
دمرنا... أحرق أفئدتنا ... لم يعد وديعاً كما كان بل صار شرسا يتفنن في تعذيبنا
لايتوانا بقتل مشاعرنا ...لم نعد نستطيع التحكم به اضطررنا إلى تقييده
فصار يصرخ طالبا النجدة
سمعوا صوته فجاءوا يشمتون...وفي أحسن أحوالهم يشفقون
لم نكن نحتمل تلك المشاعر منهم... فحبسناه في حجرة مظلمة مكبلا بالقيود
كنا قساة عليه و على أنفسنا ... نبكيه علنا ونتمنى موته سرا
ولم يجروء أحدنا على البوح للآخر بمكنونات صدره ...
بالكاد كنا نسقيه...أما طعامه فقد حُرِم منه
ولما شعر بما يخالج صدورنا أبت عليه عزته وكبريائه أن يقبل منا صدقة...فأضرب
عن الشرب...
بقي يصارع الموت شهوراً طوال...وينتظر منا الرأفة به والرحمة ...
لكننا عصيناه ولم نطعه...حاول استجداء عطفنا...صار ينادينا ويردد بعض
الأشعار ويتغنى بالفراق حزناً على حالنا...كلماته كانت تقطر ألماً
تدمي قلوبنا...ومع ذلك تجاهلناه!!!
مجرمين كنا بلاجُرم مشهود!
وكان موته بحجم عظمته التي جاء بها...أسقانا الذل بكؤوس من وجع
وكنا نشربه طوعاً و رغماً...
لكننا الآن قتلناه...
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
نعم قتلناااااااااه
.
.
.
.
.
.
.
.
.
قتلنا الطفل!!!
.
.
.
.
.
.
.
.
وأي طفل؟!...
.
.
.
.
.
.
.
قتلنا طفلنا!
.
.
.
.
.
.
.
.
قتلنا طفلنا ولم تتحرك أي من مشاعرنا بعد موته! ....نستغرب هذا البرود
ونتحسس أفئدتنا فنتذكر أنه أحرقها وقتل معها مشاعرنا...


((وبعد أن قتلناه دفناه في باحة منزلنا.....واستمرت الحياة كأنه لم يكن!))


يقول نزار قباني...
{الحب في الدنيا بعض من تخيلنا...لو لم نجده عليها لاخترعناه}
قد يكون الحب عند مجيئه حلماً أو خيال...لكنه بعد أن يتغلغل فينا يصبح حقيقة مثل وجودنا...,عند الوداع يستحيل إلى عذاب و ألم...
وبعد الرحيل يعود حلماً...
يوجعنا أحياناً...ويسعدنا أحيان أخرى!
.
.
.
.
.
وفي أغلب الأحيان نحاول نسيانه بكل التفاصيل التي جاء بها!!!