InstagramTwitterSnapChat


 
وصف

العودة   منتديات سكاو > الأقسام الخاصة > الأقسام العامة > الساحة العامة
   
   


الساحة العامة قسم مخصص لـ الفعاليات والنقاش و المواضيع التي لا تندرج تحت الأقسام الآخرى .

بواكير شعر الطبيعة في الأندلس

الساحة العامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
  #1  
قديم 19-06-2008, 12:20 PM

fatoome fatoome غير متواجد حالياً

جامعي

 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
التخصص: ادارة اعمال
نوع الدراسة: إنتساب
المستوى: الخامس
الجنس: أنثى
المشاركات: 11
Smile بواكير شعر الطبيعة في الأندلس


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةبواكير شعر الطبيعة في الأندلس

كانت بلاد الأندلس تمثل الجناح الأيسر للدولة الإسلامية الفسيحة , وبلغت الحضارة في ربوعها مبلغآ رفيعا فاتسعت فيها آفاق العلوم والفنون والآداب والفلسفة , وساعدت الطبيعة الفاتنة هناك على نضوج الشعر وحلاوته, وكان لمجالس الأنس والبهجة الأثر الكبير في تنوع أغراض الشعر وبخاصة الوصف , فوصف الشعراء الطبيعة الفاتنة كما وصفوا الحدائق والقصور والأبنية وما بها من صور وأشكال وبرك
وأكثروا من وصف الأساطيل البحرية , ولم يغفلوا وصف ألوان الحياة العامة وما فيها من ظواهر دقيقة وحشرات كالبق والبرغوث والذباب والعقرب إلى غير ذلك من أغراض الوصف المتعددة الجوانب المترابطة الحلقات.
وأغلب الظن بل أرجحه أن الشعر الأندلسي كان متأثرا إلى أبعد الحدود بمثيله في المشرق فكانت الراحلة دائمة بين الشرق والغرب من عملية وأدبية واقتصادية , وقد حفلت كتب الأدب بأخبار الأدباء والشعراء الكثيرين الذين كانوا يحجون إلى بغداد للاستماع إلى فطاحل شعراء المشرق أو رواية شعر كبار شعراء الأندلس.
وكان الحنين إلى المشرق يمثل جانبا كبيرا من أماني شعراء الأندلس وأحلامهم منذ أن استوطن العرب تلك البلاد , فهذا عبد الرحمن الداخل لا تكاد العزة والرفاهية اللتان يحياهما في الأندلس تثنيانه عن الحنين إلى المشرق فيجلس في مجلسه ويلمح من بعيد نخلة سامقة فلا تلبث أن تهيج أشجانه وتذكره بأرض آبائه وأجداده فيقول:

تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى
وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأتِ بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها
الذي يسح ويستمري السماكين بالوبل


ولا يكاد تطاول الأزمان وتمكن الاستقرار يطفئ جذوة هذا الحنين حتى بين أولئك الذين ولدوا وولد آبائهم من قبل في تلك الديار , بل إنها تبدو مستعرة قوية حتى في القرن الخامس حيث يقول ابن حزم الأندلسي:

أنا الشمس في جو العلوم منـيــــرة ولكن عيبي أن مطلعي الغـــــرب
ولو أنني من جانب الشرق طالــع لجد على ما ضاع من ذكري النهــب
ولي نحو أكناف العراق صبابـــة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصـب
ولكن لي في يوسف خير أسوة وليس على من بالنبي ائتسى ذنب


وإذن فقد كان الأندلسيون يحنون إلى المشرق , يحنون إلية حنين حب وحنين رحلة وحنين علم وأدب , وكان شعرائهم يقتفون أثر الشعراء المشارقة , ولذلك كانت فنون الشعر تنضج في الأندلس بعد أن تكون قد بلغت أوجها في المشرق , ففي القرن الرابع الذي بلغ فيه وصف الطبيعة ذروته في حلب وأصبحت مدارس الروضيات والزهريات والثلجيات والمائيات في أوج إبداعها كانت الأغراض لا تزال تحبو في محاولات فردية على ألسنة شعراء الأندلس وقرائحهم فأحمد بن عبد ربه وقد توفي في العشر الثلاث الأولى من القرن الرابع يصف الطبيعة في روضة فيقول:
وما روضة بالحزن حاك لها الندى ... بروداً من الموشيّ حمر الشقائق
يقيم الدجى أعناقها ويميلها ... شعاع الضحى المستنّ في كلّ شارق
إذا ضاحكتها الشمس تبكي بأعين ... مكللة الأجفان صفر الحمالق
حكت أرضها لون السماء وزانها ... نجوم كأمثال النجوم الخوافق
بأطيب نشراً من خلائقك التي ... لها خضعت في الحسن زهر الخلائق


وليس في وصف الطبيعة هذا جديد بالنسبة إلى وصفها عند شعراء حلب الذين كانوا إذ ذاك قد بلغوا بها مبلغ الاكتمال والجمال . بل أن شاعرا كأبي الحزم بن جهور حاكم قرطبة المتوفى في منتصف القرن الرابع لتعد محاولته في الزهريات من أوائل المحاولات في الأندلس فيقول في الورد وتفضيله على سائر الأزهار:

الورد احسن ما رأت عين وأز * كى ما سقى ماء السحاب الجائد
خضعت نواوير الرياض لحسنه * فتذللت تنقاد وهى شوارد
وإذا تبدى الغصن فى اغصانه * يزهو فذا ميت وهذا جامد
و إذا أتى و فد الربيع مبشرا * بطلوع وفدته فنعم الوافد
و إذا تعرى الورد من اوراقه * بقيت عوارفه فهن خوالد

والواقع أن هذا الشاعر لم يعارض أو يقلد بأبياته هذه شاعرا من معاصريه في حلب وإنما كان يعارض شاعرا مشرقيا سبقه بقرن من الزمان هو ابن الرومي في أبياته التي يفضل فيها النرجس ويقول في مطلعها :

للنرجس الفضل المبين وإن أبي آب وحاد عن الحقيقة حائد

ويحمل القول في هذا الحديث أن شعر الطبيعة قد نما في الأندلس وتعددت أغراضه في القرن التالي لنضجه في حلب , فلم تعرف الزهريات والمائيات والثلجيات وما إليها إلا في القرن الخامس , سنرى في الصفحات القليلة التالية أن الأندلسيين كانوا تلامذة لشعراء حلب وإن أوتوا بعض الميزات في وصف المائيات مع إكثار في التشبيهات وإيغال في الصنعة.
على أن الأمر لا يعني أن شعراء الأندلس لم يجيدوا وصف الطبيعة إلا متأخرين غاية التأخر , لقد قام كثير من شعراء الرابع بمحاولات موفقة في وصف الطبيعة مجملة في شكل رياض وبساتين , ومفرقة في شكل ورود وأزاهير , وأشجار وأثمار وأطيار , وأنهار وبرك وسواق .
وقد يكون من الفائدة بمكان أن نأتي ببعض الأمثلة في وصف الطبيعة لشعراء أندلسيين عاشوا في القرن الرابع وما حوله , وهو القرن الذي نستطيع أن نقرر أن الشخصية الأندلسية قد بدأت فيه تأخذ شكلها المتميز وإن تكن قد وصلت إلى أوج نبوغها .
فإذا تمثلنا لشاعر يصف نهرا فسوف نجد محمد بن الحسين يقدم لنا صورة سريعة محبوكة للنهر في حالات رتابته وسرعته واستقامته واعوجاجه وذلك في قوله:
والنهر مكسو غلالة فضة ........ فإذا جرى سيل فثوب نضار
وإذا استقام رأيت رونق منصل ......... وإذا استدار رأيت عطف سوار

وإذا ما وصف الأديب الأندلسي الهلال وجدناه يجري في مضمار المشارقة فهذا
أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم الوزير يقول:
لما رأيت الهلال منطويا في غزة الفجر فارق الزهرة
شبهته والعيان يشهد لي بصولجان انثنى لضرب كره

إنه ينسج على منوال شاعر المشرق الأنيق عبدالله بن المعتز , وقد اقتفى نفس الأثر الوزير أبو حفص بن برد في بيته الرقيقين :
تأمل فقد شق البهار كمائما وأبرز عن نواره الخضل الندى
مداهن تبر في أنامل فضة على أذرع مخروطة من زبرجد

وهناك محاولات أخرى كثيرة في وصف روائع الطبيعة ومعطياتها ولكنها لم تصل إلى أوجها ولم تتسم مكان الذروة إلا في القرن الخامس الهجري وماقد تلاه من قرون , ففي هذا القرن أخذت الشخصية الثقافية والأدبية للأندلس تفرض وجودها , وقد خيل لكثير من المؤرخين أنه قد مرت فترة زمنية كان كل الأندلسيين فيها شعراء حتى إن القزويني يقول أي قلاح يحرث بأثوار في شلب يرتجل ماشئت من الأشعار فيما شئت المعاني ,.
في تلك الفترة الزمنية من حياة الأندلس حيث الترف الفكري والأدبي والمادي آخذ بتلاليب الناس كان الشعر في شبه فورة دافقه وجذوة متلألئة في ميادين عديدة ألمعها آنذاك كانت ميادين الطبيعة والخمر والغزل بالغلمان.
ولقد بدأ شعر الطبيعة يخرج على المألوف الشعر العربي من حيث الابتعاد عن القصيدة إلا في حالات قليلة ويعمد الشاعر إلى قول المقطوعة التي تستوعب طاقة خياليه وتصور عطاء شاعريته غير عابئ بعدد الأبيات أو النظام التقليدي للقصيدة , ولم يكد الشاعر يترك لمحة من لمحات الطبيعة أو زاوية من زواياها أو موضوعا من موضوعاتها إلا طرقها برشاقة وبراعة وذكاء وافتنان بحيث تجمعت لدينا ثروة ثمينة من الشعر الأندلسي.
وإذا كان الشعر دائما صدى للبيئة اجتماعية كانت أو طبيعية فإن هذا النطاق يعتبر صورة أمينة دقيقة أنيقة لبيئة الأندلس , ولما كانت طبيعة الأندلس من الفتنة الجمال والثراء والسحر ماقد وصفه المؤرخون وما قد ألمحنا إليه في فصول سلفت فإن شعر الطبيعة في الأندلس يعتبر أيضا مرآة صادقة لطبيعة الأندلس وسحرها وجمالها .
على أن شاعر الطبيعة ليس ككل شاعر , إنه رسام في نطاق شاعريته وليس كل شاعر رساما , إن المقطوعات الجميلة التي خلفها الشعراء الأندلسيون والطريف أيضا أن الأمر لم يقف بشعر الطبيعة عند الافتتان فيه وإنما تعدى ذلك بحيث أصبح يحل محل أبيات النسيب في قصائد المديح , ولا بأس في ذلك أيضا , إلا أن الجديد في الأمر أن القوم لتعلقهم بشعر الطبيعة إلى حد الشطط والهوس جعلوا يطعمون المرائي بشعر الطبيعة فبينما تقرأ مرثية لفقيد وتتوقع أن تسمع أنات محزون وغصص مكلوم إذ بك تسمع أبياتا في وصف الرياض والورود والأزاهير على ما سوف نبين من حديث.



الروضيات

إن شاعر الطبيعة حين يعمد إلى وصفها يمسك بريشة فنان استحضر معه كل مايحتاج إليه من ألوان بهيجة بحيث يستطيع أن يجعل من أبياته لوحة نضرة تجذب الأنظار وتخطف الأبصار , وهو في الروضيات أكثر احتاجا إلى التنويع والتلوين ففي الطبيعة اخضرار واحمرار واصفرار وفيها أوراق خضر نضيرة وأغصان غصة مياسة , وفيها نور وأزاهير وشذا وعبير , وفيها حفيف الغصون وتغريد الطيور , وفيها مياه صافيه فضية بالضحى عسجدية عند الأصل , إنها الحياة نفسها بوجهها المشرق الندي الذي يجعل منه الصالح تسبيحة حمد وترنيمة رجاء , والذي يجعل منه الطالح ملاعب سكر ومضامير انحراف .
لقد تمثل شاعر الطبيعة الأندلسي كل هذه المعاني وكانت أدواته في رسمها التشبية العذب والاستعارة الجميلة والصنعة الخفيفة حينا المزدحمة حينا آخر واللفظ الموقع والجرس الرقيق والموسيقى المنسابة في وفق وغير ماجلبة .
إن الشاعر الوزير عبد الله بن سماك يجري محاولته في هذا النطاق فيقول:

الروض مخضر الربى متجمل ... للناظرين بأجمل الألوان
وكأنما بسطت هناك سوارها ... خود زهت بقلائد العقيان
وكأنما فتقت هناك نوافح ... من مسكة عجنت بعرف البان

ويستمر في الوصف قائلا :
والماء مطرد يسيل عبابه ... كسلاسل من فضة وجمان
بهجات حسن أكملت فكأنها ... حسن اليقين وبهجة الإيمان


وهذا القاضي أبو الحسن بن زنباع يصف لنا قصة الطبيعة في الرياض وفعل السحاب بها حتى تسربلت بحلتها الجميلة وتفتحت أزهارها ونضجت ثمارها فيقول , وقد أفرط في التصنع ولم ينس أن يتلاعب بالمحسنات البديعية بين الفينة والفينة:

أبدت لنا الأيامُ زهرة طيبها وتسربلت بنضيرها وقشيبها
واهتزعِطف الأرض بعد خشوعها وبدت بها النعماء بعد شحوبها
وتطلعت في عنفوان شبابها من بعد ما بلغت عتيَّ مشيبها
وقفت عليها السحبُ وقفة راحم فبكت لها بعيونها وقلوبها
فعجبتُ للأزهار كيف تضاحكت ببكائها وتبشرت بقطوبها


وإذا كانت الرياض تشكل مكانا أمينا رحيبا للأطيار تمرح على أغصانها وتغرد على روابيها وتصدح بوحي من سحر أنسامها ورقة نوارها فإن الشاعر الأندلسي لم يفته أن يلتفت إلى طيور الرياض واصفا إياها بكل مبدع مطرب خاصة وأن ألوان طيور الرياض بنقائها ونمنمتها وزركشتها توحي إلى الشاعر الفنان بالمعنى الجيد والوصف البديع . إن ذا الوزارتين أبا الحسن بن الحاج تقع عيناه على زرزور فيقول فيه:
يا رب أعجم صامت لقنته ... ظرف الحديث فصار أفصح ناطق
جون الاهاب أعير قوة صفرة ... كالليل طرزه وميض البارق
حكم من التدبير أعجزت الورى ... ورأى بها المخلوق ألطف خالق

إن الشاعر الوزير لا يقف به الإبداع عند لطف الوصف ورشاقة اللفظ وحسن الجرس وأناقة التعبير بل يتخذ من هذه الصورة المعجزة سلما إلى الإيمان وطريقا إلى معرفة الخالق , والطريف في الأمر أن يصدر مثل هذا القول من شاعر عرف بالمجانة والعكوف على الخمر ووقف شعره على الغزل في الغلمان .

ومع رقة الصورة التي رسمها الوزير الأديب أبوالحسن بن الحاج للزرزور فإنها تتضاءل أمام لوحة أخرى أكثر فتنة وأغنى حركة وأبهج لونا رسمها شاعر من غرب الأندلس هو أبو الحسن علي بن حصن لفرخ حمام , إن الشاعر أجرى ألوانه في براعة وظلاله في إعجاز على كل جزء من أجزاء جسم الطائر الجميل , وجسم جلسته وتابع حركته في نطاق رشاقة الألفاظ وثراء المعاني , ولعله من الأفضل أن نشاهد الصورة الأنيقة التي رسمها الشاعر لطائره في أبياته:

وما هاجني إلا ابن ورقاء هاتف ... على فنن بين الجزيرة والنهر
مفستق طوق لازورد كلكل ... موشى الطلى أحوى القوادم والظهر
أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ ... وصاغ على الأجفان طوقاً من التبر
حديد شبا المنقار داج كأنه ... شبا قلم من فضة مد في حبر
توسد من فرع الأراك أريكة ... ومال على طي الجناح مع النحر
ولما رأى دمعي مراقاً أرابه ... بكائي فاستولى على الغصن النضر
وحث جناحيه وصفق طائراً ... وطار بقلبي حيث طار ولا أدري

هذه الصورة الساحرة قد رسمتها ريشة أبو الحسن علي بن حصن لذكر الحمام على فننه




وصف الأزهار
وصف الأندلسيون الأزهار وأكثروا من وصفهم لزهرة بعينها كما فعل شعراء الطبيعة في حلب , فوصفوا الورد والنرجس والشقائق والنيلوفر والياسمين والقرنفل واللوز وغيرها مما وقعت عليه عيونهم , غير أنهم لم يكثروا من عقد مجالس للأزهار المختلفة ليجروا بينها المناظرات الطريفة كتلك التي نراها عند الصنوبري زعيم شعراء الطبيعة في المشرق , إلا أنهم عندما تعرضوا لطاقات الأزهار رأيناهم يبتكرون أوصافا موضوعية جديدة , فهذا ابن حمديس يرثي باقة من الزهر أصابها الذبول ويتحرق حزنا وأسى عليها فيقول هذين البيتين الطريفين:


ياباقة في يميني بالردى ذبلت أذاب قلبي عليك الحزن والأسف
ألم تكوني لتاج الحسن جوهرة لما غرقت فهلا صانك الصدف
فالباقة غرقت في بركة وهو يشبهها بالجوهرة , ولما كانت الجواهر تؤخذ من أصداف البحار , فقد استغل الشاعر تلك الفكرة الطريفة فوشى بها بيتيه , وقد يكون الشاعر شبه أوراق الزهور بالأصداف وهو أقرب إلى التصور من التخريج الأول.
ولم يقف الأمر بابن حمديس عند رثاء الطاقات وحسب, بل إنه عمد في بعض الأحيان إلى هجائها إذا كانت من زهور الزينة الخالية من الأريج فيقول :

وباقة مستحسن نورها وقد خلت في الشم من كل طيب
كمعشر راقتك أثوابهم وليس في جملتهم من أديب


والصورة هنا طريفة لا شك , والغرض جديد , والتشبية محكم , وإن كنا نخالف الشاعر في حكمه على الأزهار غير ذات الرائحة , فالزهرة جميلة فاتنة حتى ولو خلت من الأريج وتجردت من العبير.
ولعل ابن حمديس متأثر بلطائف المكسور وإن اختلفت طبيعة الموضوع بين الشاعرين , إلا أنها طرائف جديدة على كل حال.




وصف الأنهار

من مظاهر الطبيعة في الأندلس , تلك الأنهار الكثيرة الوفيرة الماء السلسالة التدفق , تحيي موات الأرض مشرقا ومغربا وشمالا وجنوبا فترقد الأرض بالخصب والعطاء , وتمد الرياض بالسحر والنماء , وكانت أكبر المدن وأهمها مثل قرطبة وإشبيلية وغرناطة تقع على تلك الأنهار الأمر الذي جعل الأندلسيين يتخذون من ضفافها مراتع لهو واستمتاع ومن صفحاتها ساحات أمنية تنساح عليها زوارقهم وتمرح مع تياراتها أشرعتهم , وهم في هذه وتلك يعزفون ويغنون ويقولون الشعر عذبا رقيقا أخاذا .
وبدافع الحضارة المتطورة أدخل الأندلسيون مياه الأنهار إلى قصورهم الباذخة ترفد البرك الفخمة في باحاتها من خلال أفواه التماثيل على حد سواء,
ناهيك بالأودية الممرعة البضة الخضراء التي كانت تشيع على ضفاف الأنهار وقد اتخذ بعض القوم منها سكنا ومستقرا فتكونت مدن كاملة تحمل أسماء الأودية التي نمت في رحابها , مثل وادي آش ووادي الحجارة ووادي العقيق ووادي الطلح وغيرها مما تحفل به كتب المسالك والممالك والبلدان ومما صور بعضها أبناؤها من الشعراء والعلماء
إن الأنهار ومايتشعب عنها من برك وخلجان وغدران , وماينبت على شاطيئها من حدائق ورياض , ومايجري على صفحاتها من زوارق وأشرعة , وما يمنح من مائها من دواليب وسواق , ومايتصل بها من مظاهر الطبيعة من مد وجزر وليل ونهار وفجر وأصيل وشمس وقمر وصباح ومساء وغناء وطرب وشراب وغزل , كل ذلك قد تنبه إليه الشعراء الأندلسيين وتأثروا به فسجلوا صورا لطبيعة من خلاله بديعة النسج عذبة الجرس ساحرة اللون بارعة الإنشاء .
لقد حاولنا أن نقدم نماذج تمثل هذه الموضوعات المائية وفضلنا أن نطلق عليها اسم المائيات وهو اسم متواضع في الشكل ولكنه في الحقيقة نفيس المحتوى ,إن أبا محمد بن صارة الشتنريني يجري محاولة في وصف بركة ضمت سلاحف ماء فيقول:

لله مسجورة فى شكل ناظرة . .. من الأزهر أهداب لها
فيها سلاحف ألهانى تقصمها ... فى مائها ولها من عرمض لخف
تنافر الشط إلا حين يحضرها . .. برد الشتاء فتستدلى وتنصرف
كأنها حين يبديها تصرفها جيش النصارى على أكتافها الجحف

ونحن لانكاد نحس شيئا ذا قيمة في وصف البركة ذاتها لآن الشاعر شغل نفسه بوصف مافيها من سلاحف وانصرف عن قصده الأصيل وهو تصوير البركة وجمالها .
واما اين حمديس فإنه يصف بركة في قصر المتوكل من أعلى الناس بإفريقية وماحولها من تماثيل ولا بأس في ذلك فقد كان ذلك الجزء من الأرض امتدادا للأندلس , يصف ابن حمديس تماثيل الأسود وهي تقذف الماء من أفواهها وقد ركزت على مؤخرتها فيقول:

وضراغم سكنت عرين رياسه ......................... تركت خرير الماء فيه زئرا
فكأنما غشى النضار جسومها....................... واذاب في افواهها البلورا
اسد كأن سكونها متحرك .............................في النفس لو وجدت هناك مثيرا
وتذكرت فتكاتهافكأنما ............................... اقعت على ادبارها لتثورا
وتخالها والشمس تجلو لونها.......................... نارا والسنتها اللواحس نورا
فكأنما سلت سيوف جداول ..............................ذابت بلانار فعدن غديرا
وكأنما نسج النسيم لمائه ................................درعا فقدر سردها تقديرا

وقال ابن حمديس يصف غديرا شقه نهر:
وزرقاء في لون السماء تنبّهت لتحبيكها ريحٌ تهبّ مع الفجرِ
يشقّ حشاها جدول متكفل يسقى رياض ألبست حلل الزهر
كماطعن المقدام في الحرب دارعا بعصب فشق الخصر منه إلى الخصر
يريك رؤوسا منه في جسم حية سعت من حياة في حدائقه الخضر
فلا روضة إلا استعارت لشكره لسان صبا تسري مطيبة النشر
إن ابن حمديس شاعر فتن بالطبيعة وعكف عليها , عندما كان ينطلق من قيود همومه وأحزانه , ومتع بصره بجمالها وصورها صورا أمينة عبرت عن جمالها في كثير من الحذق والصنعة .
وقد نفخ فيها من فنه أكثر مما أعطاها من روحه .
ونحن إذا أعجبنا بشعره في وصف الطبيعة فإنما نعجب لما فيه من روائع الفن , ويبقى ابن حمديس , في نظرنا , شاعرا شاكيا لآن المحنة التي حلت بوطنه الأول صقلية جعلته دائم الأسى , فأخذ يشكو الزمان ولؤم الناس ويتبرم بالحياة على طريقة أبي العتاهية؛ ولهذا كان من الطبيعي أن يكون شعر الشكوى أكثر انسجاما مع نفسيته وحياته.


ابن خفاجة

وهذا شاعر مبدع من شعراء دور ملوك الطوائف تتمثل فيه الجدة والحداثة , ويعكس بيئة الأندلس وطبيعتها الضاحكة , وتتجلى فيه الصفة الأندلسية وحبه للطبيعة أكثر من غيره.

ولد أبو إسحق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة سنة 450هـ في بلدة شقر , وهي مدينة منعزلة في شرقي الأندلس مشهورة بجمال طبيعتها .
وسافر عدوة المغرب فاشتد شوقه إلى وطنه الجميل ورجع إليه ومات سنة 533هـ في المدينة التي ولد فيها .
والأخبار التي بين أيدينا ضنينة بتفاصيل حياة الشاعر , إلا أننا نعلم أنه عاش حياة هادئة ولم يتصل بأحداث السياسية.
وفي ديوانه عدد من المدائح ولكنه لم يستذل نفسه لهذا الغرض , وأكثر مدائحه في أبي إسحق إبراهيم بن يوسف ابن تاشفين الذي خلف أباه في دولة المرابطين .
عاش ابن خفاجة طويلا وتجاوز الثمانين , واستمتع في شبابه وكهولته بالحياة واقتفى لذاتها مع إخوانه وأصدقائه في أحضان الطبيعة ومجالس اللهو فيها .
وفي آخر أيامه اعترته الوحشة فبكى صباه وتنسك إلى أن وافته المنية.
لقد كان ابن خفاجة شاعر عصره,استولت عليه روح المرح والمتاع بالحياة فأقبل على الطبيعة يتنزه في مغانيها ويتملى من مباهجها فتمتلئ نفسه بشرا ويعبر عنها تعبيرا يفيض حبورا .
ولقد كان لنشأته المترفة ولجمال بلدته أثر في تغذية خاليه وتكوين تأملاته فنظر إلى الطبيعة نظرة طويلة فاحصة ساعدته على دقة التعبير عن معانيه.
وقد سمي بشاعر شرقي الأندلس , كما سمي بالشاعر البستاني , ولقبه المقري بصنبوري الأندلس لعنايته بوصف الطبيعة ولا سيما الجانب الضاحك منها .
فما هي الظاهر الطبيعية التي وصفها وما ميزاته فيها ؟
لقد وصف الشاعر الطبيعة بجميع مظاهرها ومباهجها , فوصف الطبيعة الصامتة برياضها وأشجارها وأزهارها وأنهارها وجبالها ومفاوزها وسمائها ونجومها ومايتصل بذلك كله من نسيم ورياح وأمطار , وكان الشعور الغالب على هذا الوصف المرح والبشر إلا ماكان من أمر وصفه للجبل إذ ساده التأمل والنظرة الحزينة .
ووصف أيضا الطبيعة الحية كالفرس والذئب وبعض الطيور , وهكذا فقد كانت الطبيعة مستولية على حواسه , ولم يستطع أن ينساها حتى في أغراضه الأخرى
ويمكننا أن نلخص ميزاته في وصف الطبيعة في العناصر الآتية :
-اتصاله بالطبيعة وإشراك حواسه بها , فقد خاطب الشاعر الطبيعة وامتزج بها في بعض قصائده , واتصل بها اتصال الصديق ولجأ إليها واستمع إلى عظاتها في رحابها وقصيدته في وصف الجبل خير شعره الذي يمثل هذه الخاصة .
فقد أثار مرأى الجبل في نفسه عاطفة إنسانية جعلته يبعث في هذا الطرد المنتصب رعشه الحياة , فأخذ يستمع إلى عظاته وعبره , ويترجم له أفكار وحسه , وبدا الجبل شيخا وقورا متململا من طول بقائه وهو يشاهد مواكب الإنسانية تمر وتمضي ويطولها الزمن .
هذه القصيدة في وصف الجبل تمنحنا نفحة جديدة للشعر الأندلسي هي هذه المشاركة في العواطف التي يشعر بها المتأمل لسحر الطبيعة ومايعتريه من رهبة وإعجاب .
ولهذا نستطيع أن نقول إن ابن خفاجة قد استطاع في هذه القصيدة أن يناجي الطبيعة على نسق جديد لم يعهده الشعرالعربي القديم , فأشرك النفس الإنسانية بسر الطبيعة وأدرك مايسمى عند الفرنجة بحس الطبيعة.

وصف الجبل
قال ابن خفاجة يصف الجبل وهي من دور قصائده التي تمثل امتزاج الشاعر بالطبيعة:


بعيشك هل تدري أهوج الجنائب ...... تخب برحلي أم ظهور النجائب ؟.
أولى المشارق كوكباً ...... فأشرقت حتى جئت أخرى المغارب فما لحت في.
وحيدا تهاداني الفيافي فأجتلي... وجوه المنايا في قناع الغياهب
ولا جار إلا من حسام مصمم..... ولا دار إلا في قتود الركائب
ولا أنس إلا أن أضاحك ساعة .......ثغور الأماني في وجوه المطالب
وليل إذا ما قلت قد باد فانقضى..... تكشف عن وعد من الظن كاذب
سحبت الدياجي فيه سود ذوائب..... لأعتنق الآمال بيض ترائب
فمزقت جيب الليل عن شخص اطلس...... تطلع وضاح المضاحك قاطب
رأيت به قطعا من الفجر أغبشا.... تأمل عن نجم توقد ثاقب
وأرعن طماح الذؤابة باذخ يطال أعنان السماء بغارب
يسد مهب الريه عن كل وجهة ويزحم ليلا شهبه بالمناكب
وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال الليالي مطرق في العواقب
يلوث عليه الغيم سود عمائم لها من وميض البرق حمر ذوائب
أصخت إليه وهو أخرس صامت فحدثني ليل السرى بالعجائب
وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك وموطن أواه تبتل تائب
وكم مر بي من مدلج ومؤؤب وقال بظلي من مطي وراكب
ولا طم من نكب الرياح معاطفي وزاحم من خضر البحار جوانبي
فما كان إلا أن طوتهم يد الردى وطارت بهم ريح النوى والنوائب
فما خفق أيكي غير رجفة أضلع ولا نوح ورقي غير صرخة نادب


وما غيض السلوان دمعي وإنما نزفت دموعي في فراق الأصحاب
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب أودع منه راحلا غير آيب
وحتى متى ارعى الكواكب ساهرا فمن طالع أخرى الليالي وغارب
فرحماك يا مولاي دعوة ضارع يمد إلى نعماك راحة راغب
فأسمعني من وعظه كل عبرة يترجمها عنه لسان التجارب
فسلى بما أبكى وسرى بما شجا وكان على ليل السرى خير صاحب
وقلت وقد نكبت عنه لطية سلام فإنا من مقيم وذاهب



وصف الليل

قال ابن خفاجة في إحدى قصائده:


وليل كما مد الغراب جناحه وسال على وجه السجل مداد
به من وميض البرق والليل فحمة شرار ترامى والغمام زناد
سريت به أحييه لا حية السرى تموت ولا ميت الصباح يعاد



وتستهوي الحسية تندمج شجرة نانرج مثمرة فيصفها فإذا بها في حلة بهية, وإذا الأوصاف الحسية تندمج بما يبعث فيها من حركة وحياة , وإذا الطبيعة التي تحيط بها مرحة مغردة , يخطب فيها الطير:


أل أفصح الطير حتى خطب وخف له الغصن حتى اضطرب
فمل طربا بين ظل هفا رطيب وماء هناك انثعب

يتبين مما تقدم أن ابن خفاجة يمثل نهضة شعر الطبيعة في الأندلس , وقد استطاع أن يصور طبيعتها الجميلة والحياة اللاهية في أحضانها , وكان في وصفه مصورا بصريا بارعا يعتمد على دقة ملاحظته إلى جانب قوة خياله . وقد يكون قد أغرق في الصنعة والمحسنات البديعية ومع ذلك استطاع ألا يجعلنا نشعر بثقلها إلا في بعض أوصافه. على أن الصنعة عنده أداة للتجميل وقد امتزجت بقوة خياله وأناقة ألفاظه وترف صوره فجاءت مقبولة كقوله في وصف النهر:



متعطف مثل السوار كأنه والزهر يكنفه مجر سماء
قد رق حتى ظنّ قرصاًمفرغاً...من فضة في بردة خضراء
وغدت تحفّ به الغصون كأنها...هدب تحفّ بمقلة زرقاء
و الماء أسرع جريه متحدرا*متلويا كالحية الرقطاء
و الريح تعبث بالغصون وقد جرى*ذهب الأصيل على لجين الماء

هذه أسماء بارزة في الشعر الأندلسي أتينا على ذكرها لنبين جانبا هاما من صفات هذا الشعر . على أن ثمة شعراء آخرين لا يقلون عن هؤلاء شأنا لم نأت على ذكرهم لضيق المجال فلتراجع أخبارهم في مظانها.
رد مع اقتباس

 

منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 25-06-2008, 05:06 AM   #2

حمورابي

جامعي

الصورة الرمزية حمورابي

 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
الجنس: ذكر
المشاركات: 106
افتراضي

جزاك الله خير ولكنك يبدو أنك لم يجف عرقك بعد من الكتابة.....

 

توقيع حمورابي  

 

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

 

حمورابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 01:45 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

أن كل ما ينشر في المنتدى لا يمثل رأي الإدارة وانما يمثل رأي أصحابها

جميع الحقوق محفوظة لشبكة سكاو

2003-2025