راعية الجليم ..لقت جليمها ..

[محابر النصرة]

راعيـة الجليــم لقت جليـمهــا

قصة من روائع قصص تراثنــا الزاخر بالحكمة والفائدة،هي قصة ليست غريبة تمـامـا، بل إنها تتضمن معنى أن من يزرع الشوكـ فحتما لن يحصـد العنب ، وأن من يعمل شـرا فلن يلقى خيـرا ..

تقـول القصــة :

" كـان هنـاكـ رجل يسكـن البادية،وكـان شيخا في قبيلته يأتيه الضيوف كل يوم ومنزله العامر بالخيرات والشاهـ والغنـم والإبل والقهوهـ والأرز،ويوزع على الناس كل ما يحتاجون إليه ،وكـان بيته يعج بأبنائه وبزوجته الجميلة التي لا تتعب من إعداد الموائد العامرة لضيوف زوجها الذين لاينفكون عن زيارته ليلا ولا نهارا وفي كل وقت ، ومع كل هذهـ الزيارت فدوما الخير كثير والبركة موجودة ، فلايكاد يجوع أحد ، والطعام وفير وفيه كميات فائضة ، وكانت والدة هذا الشيخ تقطن في زاوية من زوايا هذا البيت العامر ، وكانت عجوزا كف بصرها ولا تقوى على الحركه ، فكانت زوجة ابنها تأتيها كل يوم بشئ من الطعام الذي يتبقى من الموائد العامرة ، رغم وصايا زوجها أن تنتقي لأمه أفضل الطعام وقبل إطعام الضيوف ، فهي ذات وجهين تلبي لزوجها رغبته ظاهريا وتتظاهر بالاهتمام بأمه ، وحالما تستفرد بها فهي تعطيها بقايا عظام ركبة الخروف استحقارا لها ، التي لا تحتوي إلا العصب اليابس وخالية من اللحم ومن الطعم ومن الدهن ، ثم إمعانا في إذلال هذهـ العجوز تعطيها أحد أرجل المقص المكسورة وكانت تسمى (جليم ) أي جزء وقطعة صغيرة من رجل المقص ، حتى تقطع به تلكـ الأوتار اليابسة من أعصاب ركبة الخروف التي ترمي لها بها ، فتمضي العجوز المسكينة ليلها كله تتحايل على هذهـ القطعة بالجليم تحاول قطعها وتناولها ولا تستطيع ، فتمتص منها قليلا ثم ترميها لكلب يجاور مكانها ، وتأخذ الجليم وتغرسه في الرمل بجوارها حتى تستعين به على الوجبة التالية التي لا تختلف كثيرا عن سابقتها .

مرت الأيام كعادة الدنيا ، علا من علا ونزل من نزل ، وتغيرت الأحوال ، وسبحان من يغير ولا يتغير ..

لقد شابت تلكـ المرأهـ المتعجرفة وتوفيت تلكـ العجوز صاحبة الجليم المغروس في الرمل ، وجاءت المرأة في مكان خالتها المسكينة وجلست في ذات الزاوية ، وتزوج ابنها من امرأة تشبهها في شبابها وعنفوانها وتكبرها وعنادها ، فرمت لها ذات العظمة اليابسة ، فلم تستطع وأسنانها المتساقطة أن تأكل شيئا وقد كف بصرها وبدأت تتلمس شيئا حولها مثل قطعة سكين أو شئ حاد تقطع به تلكـ الأعصاب اليابسة ، فوجدت شيئا في الرمل وحفرت وحفرت حتى وجدت الجليم !!

الجليم ذاته الذي رمته لخالتها العجوز ، فابتسمت بألم وقالت لنفسها وعينها تدمع : ( راعية الجليم ..لقت جليمها ) ، أي صاحبة تلكـ القطعة من الحديد وجدت ما تركته لخالتهاالمسكينة ، وهذا ما تحدثنا عنه أن من يصنع خيرا فلن يعدم فوائدهـ ، ومن يعمل الشر فليبشر بعقاب الدنيا قبل الآخرة ، نسأل الله لنا ولأحبابنا وأهلنا السلامة والعافية
وحسن الخلق والوفاء دائما وأبدا " ..


ســـــــــارة بنت محمد الخضيــر
مجلة حياهـ للفتيات ..العدد 123