خـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال .. !
.
.

.
.
محافظون.. حداثيون
في لقاءات كثيرة سواء كانت مرئية أو مقروءة كنت أرفض ــ ومازلت ــ أن يطلق على المجتمع السعودي مفردة مجتمع محافظ أي مجتمع طالباني أو مجتمع يرفض التقدم للأمام ويضع السلم بالعرض.
وأقول إننا مجتمع كبقية المجتمعات لنا قيمنا وعاداتنا نحرص عليها كما تحرص بقية المجتمعات على جوهر وروح وجودها.. لكننا نتحرك مع معطيات الزمن تحركا طبيعيا وإن كان بطيئا في حالات معينة تخص المرأة تحديدا بينما نقتني ونستخدم أحدث التقنيات في حياتنا اليومية من غير تحرز أو منع من قبل الدولة ذاتها بل يأتي المنع لبعض التقنيات من أفراد لايمثلون جميع شرائح المجتمع.
وحكم المحافظة على مجتمعنا غالبا ما يأتي من خلال ما يثار في الصحافة من رفض لأشكال تقدم هذا المجتمع.
ولو تتبعنا كثيرا من القضايا التي تنشر هنا وهناك وتستخدم (من قبل العالم) كأدلة على محافظة هذا المجتمع سنجدها أحداثا وقف ضدها قلة قليلة من فئات المجتمع، هذه القلة هي التي تمتلك الصوت أو بمعنى آخر هي التي تمتلك وسائل تضخيم الرفض.
ولغياب قياس الرأي في المجتمع تصبح كل ظاهرة اجتماعية مرفوضة هي عنوان لتزمت هذا المجتمع بينما لو وجد قياس للرأي فسنجد أن الغالبية العظمى تسير مع العالم من غير تراجع للخلف أو ثبات في المكان الواحد.
ودعونا نأخذ أمثلة لبعض المظاهر التي تم رفضها وجعلت من صورة المجتمع صورة طالبانية مصغرة أو مكبرة يتم الحكم علينا من خلالها.
سأبدا بمشهد أولئك الشباب الستة الذين وقفوا في مركز الملك فهد الثقافي لمنع عرض فليم مناحي، هم ستة من مجموع سكان المملكة ولو قلنا أن هناك من يؤيدهم مليون أو مليونين فسيظل القياس التصويتي للقبول والرفض من صالح المجتمع الذي لا يرى غضاضة من وجود السينما.
ثم نأخذ أمر قيادة المرأة للسيارة سنجد أنه لا يوجد قانون مروري يمنع قيادة المرأة للسيارة أو ينص على ذلك وإنما الرفض جاء من قبل أفراد لو قيس حجمهم بحجم المنادين بقيادة المرأة للسيارة فسوف يكون التصويت لصالح قيادة المرأة للسيارة.. ولو أخذنا قرار عمل المرأة في بيع الملبوسات النسائية سنجد أن من وقف ضده أيضا أفراد وليس المجتمع ذاته.
هذه المماحكات في رفض بعض السلوكيات الاجتماعية لايمكن لها أن تصف هذا المجتمع بالمجتمع المتعصب ضد الحياة ولكن يمكن أن تصف أن قلة قليلة قادرة على فرض حكمها ليتحول إلى حكم عام يصبغ به الكل.. ومن مميزات المجتمع المحافظ (بمفهوم المجتمع المغلق) رفضه لاستخدام أية تقنية جديدة مهما دعت لها الضرورة ونحن نستخدم جميع وأحدث التقنيات من غير تحفظ أو منع من الدولة، فالشيخ والفرد العادي يستخدمون كل ما تصل إليه التقنية وبكفاءة، فكيف يمكن لأية جهة خارجية أن تصف هذا المجتمع بأنه مجتمع مغلق بينما تتواجد جميع الفنون على أرضه ويبزغ مبدعون في كل فن على مستوى العالم من غير أن يكون مطاردا من بلده أو ممقوتا من مجتمعه بل هناك مؤسسات حكومية ضخمة همها تقدم السينما والمسرح والموسيقى والغناء والفنون الكتابية للرجل والمرأة على السواء.
إذا حكم المجتمع المغلق كما هو قائم في الذهنية العامة لمعنى الانغلاق لا ينطبق علينا بتاتا والذي ينطبق علينا أن هناك فئة تريد تسيير الحياة وفق ماتراه صائبا بغض النظر عما يراه الآخرون مباحا أو جائزا.
وأي متابع منصف سيجد أن هذا المجتمع يسير محدثا وجوده دائما بغض النظر عن بطء العملية التحديثية على مستوى الإعلام.