د. هاشم عبده هاشم
أحمدي نجاد..ليبرالي
بفوز الرئيس الإيراني الحالي (أحمدي نجاد) بدورة ثانية..وتفوقه بنسبة عالية (62.6%) على منافسيه..فإن إيران ستتجه في المرحلة القادمة إلى شيء من الاعتدال وليس التشدد كما أتوقع وأرجو..بالرغم من أن الناخبين قد اختاروا سياسات نجاد المتشددة..وبالرغم من أنهم كانوا يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة خلال فترة حكمه الأولى (2005-2009م)..وبالرغم من أنهم يعرفون مدى عزلة إيران دولياً بسبب برنامجها النووي..وبعض تصرفاتها الإقليمية والدولية..
إن هذه التزكية لسياسات (نجاد) هي التي تعطيه (كرتاً مفتوحاً) لترسُّم سياسات جديدة تقترب إلى حد كبير من المزاج الدولي العام..وبالتالي يكون نجاد قد قطع الطريق على الإصلاحيين وفي مقدمتهم (مير حسن موسوي) باللعب بورقة الإصلاح الشامل..والتغيير الواسع إن على مستوى السياسات الداخلية أو الخارجية على حد سواء..
ذلك أن نجاد بات يُدرك أن هناك رغبة حقيقية عند الشعب الإيراني في تحقيق تغييرات جذرية تطال الأوضاع الاقتصادية..والحريات العامة..وتُعطي التنمية قدراً أكبر من الاهتمام..وجزءا أوفر من إيرادات الدولة كأولوية مطلقة تتقدم على أي أولويات أخرى ركز عليها نجاد طوال السنوات الأربع الماضية كالإنفاق الواسع على الجانب العسكري أو على البرنامج النووي ودعم سياسات تمدد الأذرعة الإيرانية إلى خارجها وإن كانت تلك الرغبة قد عجزت عن إيصال منافسي (نجاد) إلى سُدَّة الحكم..
لقد نجح (أحمدي) لأنه استطاع أن يكون الأقرب إلى سيكلوجية هذا الشعب..وهي سيكلوجية عاطفية..تتجاوب مع مظاهر القوة والتشدد..ولاسيما عندما ترتبط بالعزة والكرامة والمواطنة.. في الوقت الذي ما تزال أكثرية هذا الشعب مرتبطة بأيدلوجية (ولاية الفقيه) وبالفكر الخميني السائد حتى الآن بقوة..
كما نجح لأنه ركز خلال فترة حكمه الأولى على الاهتمام بشؤون الدهماء..وبالتغلغل في أوساط الأغلبية الشعبية العظمى الفقيرة المنتشرة خارج العاصمة وبقية المدن الكبرى..والفوز بمشاعرها من خلال تلبية بعض احتياجاتها البسيطة والمباشرة..وغير مكلفة للخزينة العامة..وإن كان ذلك من وجهة نظر خصومه من الإصلاحيين قد كان على حساب خطط وبرامج التنمية..وإقامة البنية الأساسية لاقتصاد منتج..وليس لإرضاء رغبات جماهيرية محدودة على حساب الوطن بدليل ارتفاع معدلات التضخم في إيران بدرجة غير مسبوقة (29%)..
ورغم كل ذلك فإن (نجاد) قد اكتسح صناديق الاقتراع..وحصل على ثقة الأغلبية..وبالتالي فإنه لن يتردد –حسب اعتقادي- في اتباع سياسات اقتصادية..وأمنية..وسياسية مغايرة لمنهجه السابق للفوز حتى يسترد أصوات (الصفوة) سواء من الساسة أو رجال المال والأعمال..أو المثقفين والإعلاميين..وحتى لا يمكّن للتيار الإصلاحي من التوسع والانتشار والعمل على تعويض خسارته لهذه الانتخابات والقفز بسرعة إلى منصة الحكم بعد أربع سنوات من الآن..ويكون وصولهم إلى السلطة آنذاك بمثابة زلزال مدمر لقواعد الخمينية والتوجه بإيران إلى مصاف الدول الليبرالية بالكامل..
ووفقاً لهذا التحليل فإن أبرز القرارات التي يتعين على (نجاد) بعد التجديد له أن يتجه إليها مراجعة السياسات الاقتصادية بهدف التوجه بالاقتصاد الإيراني نحو سياسة السوق الحر..ورفع يد الدولة عنه وتوجيه مدخرات البلد نحو التنمية الشاملة بغية تحسين مستوى حياة الشعب وتلبية احتياجاته الأساسية بدلاً من دغدغة مشاعره وتوظيفها لمواجهة عدو خارجي يتربص بإيران سواء في المنطقة أو في أي مكان من هذا العالم..كما كان يردد..
لو حدث هذا..فإن (أحمدي نجاد) سيرقى إلى مستوى القادة التاريخيين..لاسيما حين ينجح في كسر الحصار الدولي المضروب حول بلاده ويعود بها إلى مستويات أفضل من الاندماج والتفاعل معه..
وتتحول إيران بفعل هذا التغيير إلى شريك قوي في صنع سلام واستقرار العالم..بعد أن كانت هدفاً..مطلوبا رأسه..
وفي هذه الحالة يصبح على دول المنطقة أن تراجع مواقفها وسياساتها تجاه إيران..وأن تتصرف بحكمه لئلا تكون شراكة إيران للأسرة الدولية بمثابة مكافأة على توجهاتها الجديدة على حساب هذه الدول
ولعل الطريقة المثلى للتعامل مع إيران في ظل هذه التوجهات المتوقعة هي بالعمل على إرساء علاقات تعاون وتكامل متميزين معها والتحرك كمنظومة واحدة لما فيه خير ومصلحة الجميع..
لكن (أحمدي نجاد) يخطئ كثيراً إن هو فعل غير كل هذا كما يتوقع الكثيرون..وجعل من الأغلبية الساحقة التي اختارته وقوداً جديداً لصراعه مع جيرانه أو مع المجتمع الدولي..وبالذات إذا هو بالغ في اتباع سياسات أكثر غطرسة..وتجاهلاً للحقائق والمتغيرات والمناخات الايجابية التي تشهدها المنطقة والعالم في الوقت الراهن..
وعندها فإن المنطقة بكاملها قد تتحول إلى كتلة من اللهب لن يسلم منها أحد مع كل أسف..
*
ضمير مستتر:
( الأقوياء الحقيقيون..هم الذين يتصرفون بحكمة وتواضع وعقلانية في الوقت المناسب).