يُعتبر النهج الإصلاحي إحدى السمات الأبرز للحكم في المملكة في عهد الملك العادل عبدالله بن عبدالعزيز، حيث يشكل الإصلاح والتنمية مساحة واسعة من اهتماماته ـ حفظه الله ـ منذ توليه مقاليد الحكم بالمملكة، مستهدفاً أن يكون الإصلاح منهجاً للعمل على كافة المستويات الحكومية وصولاً إلى بناء دولة مؤسسات حديثة، لتصبح بلادنا في مصاف الدول المتقدمة في العالم.
وأستحضر في هذا الصدد كلمة عظيمة قالها مليكنا المفدى تؤكد رؤيته الإصلاحية أيده الله لاسيما في مجال إحقاق الحق ورد المظالم، حينما قال «سأضرب بالعدل هامة الجور والظلم».
والقضية التي نحن بصددها اليوم يعتقد الكثير من المواطنين والمهتمين بالشأن العام بأنها إحدى ممارسات البيروقراطية التي تتطلب إصلاحاً عاجلاً بعد الضرر الذي أصاب نحو 1500 طالب وطالبة و حوالى 180 عضو هيئة تدريس وموظفا إداريا، إضافة لمجموعة من المستثمرين في قطاع التعليم الأهلي، نتيجة لقرار صدر مؤخراً عن وزارة التعليم العالي وقضى بإغلاق كلية العلوم والتكنولوجيا بجدة، بحجة مخالفة الأنظمة والسماح للطلاب بالدراسة قبل استكمال إجراءات التراخيص النظامية وفقاً للمتحدث الرسمي للوزارة.
ومن وجهة نظري فإن الإغلاق يتجاوز بكثير إشكاليات إجرائية ربما تكون الكلية قد وقعت فيها لأن القضية تلامس أبعاداً وطنية وإنسانية عديدة، كونها أولاً وثيقة الصلة بآمال وتطلعات شريحة من أهم شرائح المجتمع وهم الشباب الذين هم عماد الوطن والذين تبذل الدوله جهوداً متواصلة لاحتوائهم والتعامل مع قضاياهم وتجاوز التحديات التي تواجههم تعليماً وتأهيلاً وتوظيفاً، كما أنها ثانياً ترتبط بموضوع التعليم الذي يعتبر تطوير مخرجاته إحدى الأولويات الوطنية التي نعلق عليها آمالاً عريضة لمواءمة مخرجاته مع احتياجات سوق العمل وخلق المزيد من فرص التوظيف وبالتالي الحد من مشكلة البطاله وخفض الاستقدام.
ويأتي قرار الإغلاق في الوقت الذي تتسابق فيه الدول المجاورة من حولنا على استقطاب أعرق الجامعات الدولية لافتتاح فروع لها في تلك الدول، وتنفذ الدولة أحد أكبر برامج الابتعاث في التاريخ الحديث، ويتغرب فيه الآلاف من أبناء الوطن على حسابهم الخاص من أجل الدراسة في جامعات خارج المملكة، لذلك فإن قيام وزارة التعليم العالي بإغلاق صرح علمي يضم مئات الطلاب والعاملين وبدون حساب النتائج المترتبة عليه وكما لو كان أحد الدكاكين الصغيرة داخل الحي يتطلب توضيحاً للرأي العام عن الدواعي الجوهرية للإقدام على خطوة مفصلية من هذا النوع.
وإذا كان إغلاق الكلية هو بمثابة الكي الذي لا يكون إلا آخر العلاج، فإن الغريب في الأمر هو صمت وزارة التعليم العالي على إيقاف الكلية منذ أن بدأت نشاطها لذلك فإن الوزارة مطالبة بإصدار بيان عاجل أكثر تفصيلاً يتضمن إجابات محددة وشفافة على التساؤلات التالية:
أولا: أسباب انتظارها 3 سنوات قبل أن تقرر إصدار أمر الإغلاق بعد قيام الوزارة بتوجيه خطاب إنذار للكلية عندما بدأت عملها تطالبها فيه بالتوقف عن النشاط وعدم قبول الطلاب ورغم ذلك استمرت الكلية في استقبال المئات من الدارسين كل عام.
ثانياً: توضيح المخالفات أو التجاوزات التي وقعت فيها الكلية – إن وجدت –؟وما إذا كان قرار الإغلاق اتخذ نتيجة لعدم الالتزام باشتراطات إجرائية كتوفير المقرات والإنشاءات اللازمة أم أكاديمية كاعتماد المناهج ومؤهلات أعضاء هيئة التدريس؟
ثالثا: هل هناك جهات أو أشخاص - كائناً من كانوا - أسهموا في استمرار ذلك الوضع وصولاً إلى صدور قرار الإغلاق ؟
رابعاً: ما هو مصير طلاب الكلية وطبيعة الترتيبات الخاصة بالحفاظ على مكتسباتهم العلمية في حال كان قرار الوزارة نهائياً؟
وفي تقديري فإن الأمر الأبرز الذي يتعين على وزارة التعليم العالي اتخاذ قرارات عاجلة بشأنه قبل موعد استئناف الدراسة هو مصير الطلاب الذين خسروا ثلاثة أعوام من تحصيلهم العلمي، الذي أصبح مشكوكاً في جدواه وينتظرهم مستقبل قاتم فيما لو لم يتم التوصل إلى حل منصف بشأنهم، حيث سيترتب على ذلك أزمة مجتمعية لاسيما وأن عددهم كبير ويناهز 1500 طالب وطالبة، ومن الصعوبة بمكان قبولهم جميعاً في جامعة واحدة، وعليه فإنني أقترح على الوزارة ما يلي:
استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب في الكليات المناظرة بجامعة الملك عبدالعزيز بعد معادلة مستوياتهم الدراسية.
منح من يتبقى منهم منحاً داخلية لإكمال دراستهم في كلية إدارة الأعمال بجدة شريطة أن يتم ذلك خلال الأيام القليلة القادمة وقبل استئناف الدراسة بعد إجازة عيد الفطر حفاظاً على مستقبلهم على أن يتم النظر في الجوانب القانونية المتعلقة بتعويضهم عن الرسوم التي دفعوها على مدى السنوات الثلاث الماضية؟
وفي الختام فإن هذه القضية بمثابة اختبار حقيقي لقدرة وزارة التعليم العالي في التعامل مع الأزمات وانتهاج الشفافية المطلوبة بالكشف عن خلفيات هذه القضية لأن الرأي العام يريد أن يعرف.
المصدر
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0818525622.htm