02-03-2009, 08:01 AM
|
#3
|
تاريخ التسجيل: Oct 2008
التخصص: اداره عامه /تنظيم وتطوير اداري
نوع الدراسة: إنتساب
المستوى: متخرج
الجنس: ذكر
المشاركات: 2,418
|
رد: سؤال هام وشخصي لجميع الاعضاء انتظر الاجابه ؟
صحيفة الوطن السعودية
السبت 3 ربيع الأول 1430هـ الموافق 28 فبراير 2009م العدد (3074) السنة التاسعة
--------------------------------------------------------------------------------
الكيلو بجنيه!
ياسر سعيد حارب : * كاتب إماراتي
تعد معارض الكتب تظاهرة حضارية، تجمع بين أروقتها كل شيء، وأي شيء. فالكتاب ليس ورقاً فقط، بل هو أصغر شيء في العالم يستطيع أن يحمل أكبر شيء فيه. ففي صفحات قليلة، يحمل الكتاب تاريخاً، وصوراً، وخيالاً، وحقائق... وباختصار، يمكن للورق أن يحوي أعظم أسرار البشرية، وأقدسها أيضاً.في زمن المأمون، كان المترجم يُعطى وزن ما ترجم ذهباً، وكان المأمون يكرم العلماء ويغدق عليهم، حتى إنّه كان يأمر القائمين على الهبات بقوله:"من عمر مجالس العلم ومقاعد الأدب فاكتبوه في ألفي دينار من العطاء، ومن جمع القرآن وروى الحديث وتفقه في العلم واستبحره، فاكتبوه في أربعة آلاف دينار من العطاء". وكان المأمون يفرض على كل مدينة يغزوها أن تكون كتب تلك المدينة جزءاً من غنائمه، حيث يرسلها إلى بيت الحكمة لتتم ترجمتها على الفور.
كان مجلس المأمون مليئاً بالأدباء والفقهاء وعلماء الرياضيات وغيرهم، وكان كثيراً ما يزورهم في بيوتهم ليناقشهم في بعض المسائل العلمية. وكان أبوه الرشيد من قبله قد مهّد له بأن بنى المراصد الفلكية، وجمع أفضل النسّاخ الذين كان من بينهم "الحجاج بن يوسف بن مطر" الذي نقل كتاب "إقليدس" (أصول الهندسة) إلى العربية، مرة في زمن الرشيد وأخرى في زمن المأمون.في معارض الكتب تجد جميع أنواع البشر، فهناك الباحثون عن كتب جديدة، وهناك الباحثون عن صفقات جديدة، وهناك الباكون والضاحكون، وهناك أيضاً، من أتوا لا لشيء إلا لأن أحد أصدقائهم ذهب بهم من غير قصد.
عندما تمشي بين أروقة دور النشر لا بد أن يساورك إحساس بالفخر وآخر بالخزي في بعض الأحيان. تفتخر لأنك الآن تشتري كتاباً وهناك شخص آخر يشتري بطيخاً من "السوبرماركت". وتشعر بالخزي أحياناً لأنك قد تطوف على عشر دور نشر دون أن تتعرف إلى كتابٍ واحد مما رأيت لأنك لم تقرأ أياً منها، وإذا ما عرفت أحدها فإنّك تزأر في وجه البائع بكل ثقة وتقول له:"لقد قرأتُ هذا الكتاب".
كنت قبل أشهر في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، الذي يعد أكبر معرض للكتاب في العالم، وحقاً إنّه لظاهرة ثقافية عملاقة، قلّما تجد مثلها. ففي معرض فرانكفورت على سبيل المثال، تجد أشهر المؤلّفين العالميين، وتجد جمهوراً أتى خصيصاً لرؤية هؤلاء والحصول على تواقيعهم الشخصية. وفي أحيانٍ كثيرة، تضطر إدارة المعرض إلى وضع حرس خاص حول هؤلاء المشاهير الذين يتدافع الناس حولهم ليلمسوهم أو ليرسلوا لهم القبلات الطائرة.
الكتاب آلة، وأداة، وهو – بالنسبة لي على الأقل – الخط الفاصل بين الغنى والفقر، بين العلم والجهل، وبين الحياة والموت. الكتاب ليس ترفاً، وليس فلسفة، ولم يكتب لفئة معينة من الناس. إن أعظم لحظات التاريخ كانت تلك التي قابل فيها جبريل – عليه السلام – محمد – صلى الله عليه وسلم – في غار حراء، في موقف مهيب، فتحت فيه القناة بين السماء والأرض. في تلك اللحظة التي توقّف فيها الزمن، وانبثق من السماء نور ما زال يضيء الأرض حتى اليوم، كان ما قيل فيها يعد أهم ما دوّن في تاريخ البشرية، بل في تاريخ الكون والوجود كلّه. في تلك اللحظة الفاصلة، أُرسلت أعظم رسالة من رب البشر والكون ورب كل شيء، إلى أعظم مخلوق على وجه الأرض، فكان لا بد لها أن تكون رسالة خالدة، وعالمية، وكان لا بد لها أيضاً من أن تكون أهم رسالة، فهي التي ستؤسس لكل شيء يأتي بعدها.
كانت تلك الرسالة هي الأساس، وكل شيء أتى بعدها بني عليها، كانت هي الأهم بلا شك، وهي الأجل والأمثل. لم تكن تلك الرسالة (صلِّ) أو (زكِّ) أو (أسلم) أو (صُم)... بل كانت (اقرأ). مررنا على تلك اللحظة العظيمة مروراً سريعاً في حصّة الدين في المدرسة دون أن نقف عندها ونتفكّر فيها قليلاً. لم ندرك حينها أنّها اللحظة الأقدس في تاريخ بني البشر، وكان ذلك هو أقدس أمر نزل من السماء إلى الأرض.في معرض القاهرة للكتاب، توقّف زميلي عند بائع كتب كان ينادي على كتبه:"الكتاب بجنيه، الكتاب بجنيه" وعندما بحّ صوته ولم يجبه أحد قال:"طب الكيلو بجنيه، بس أي حد يشيل". عندها تهافت عليه الناس، كباراً وصغاراً واشتروا منه شيئاً كثيرا. في مصر، يريد الناس أن يقرأوا، ولكن الحالة الاقتصادية الصعبة تحول بينهم وبين هذا العمل العظيم، فاقتناء الكتب هناك يعد ترفاً تسبقه حاجات اجتماعية أولية. أما في الخليج، فعلى الرغم من سهولة شراء الكتب إلا أن الخليجي نادراً ما يقرأ، فالقراءة هنا ليست ترفاً، ونحن نبحث عن الترف.
في شرق العالم العربي يُهان الكتاب عندما يوضع على الأرفف للزينة فقط، وفي وسطه وغربه، يهان مرة أخرى عندما يباع بالكيلو. لا نريد أن يُعطى المؤلف أو المترجم وزن ما كتب ذهباً، ولكن، لا نريده أيضاً أن يبيع كتبه في سوق الخضرة والفاكهة.
--------------------------------------------------------------------------------
حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن 2007
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة علي العسيري ; 02-03-2009 الساعة 08:03 AM.
|
|
|