ومن شرفتي أتنفس كل صباح رائحة حنين ، تتسلل إليّ من خلف الجدار ، وتغريني بالاقتراب ، والتفتيش خلسة عن ثغرات لقاء ، على كلٍ ثغرات اللقاء ملغومة ، لذا لن أقترب كثيرا ، ملغومة تلك الثغرات جذبا وشوقا وحبا وحنينا يكسرني يضعفني يسلبني مني ، كل يوم يقترب خط مسيري من الجدار ، ولكنني لا أسترق إليه النظر ، فربما تحين مني نظرة لثغرة لقاء قاتلة ، مرت سنين ولم أنظر إليه ، هل ياترى مازال أصم طويل عريض وحوله مئات المطبات ، لا نستطيع ثقبه أو اختلاس النظر فيما يقبع خلفه من أنصافنا ، فروحي انقسمت وقت نصب الجدار ، نصف هنا ونصف هناك ، وذات صباح أشأم صباح ، نظرت خلسة واستراق ، وجدت جدارا هزيلا متصدعا به مئات الثقوب ، فطول الزمان وسوط الفراق الذي ينهال عليه ليل نهار في غفلة مني ، نهشاه وأنهكاه ، وأصخيت سمعي فإذ به يحدو : أن هيت لك أيها القلب الجريح فاختر أي ثقب أي ثغرة قاتلة شئت ، وانظر علّك تجد ممن تحب خبر ، وإن لم تجده فاسأل جيران الجدار كيف حال الحبيب ؟ فهم حتما يحملون الجواب ، فقط اسأل ، علّك بمحض سؤال توقف نزف الجراح وتضمد تلك الجراح ، قلت وأيّ جراح!! ، قال الجدار الهزيل : أتدرين مالذي مات قبل سنين وأي شيء يحتويه ذاك القبر القديم إنه رفات الكبرياء ، وحبكِ مازال حيّ مازال يكبر حتى شاخ ، مازال يغريك كل حين بهدم الجدار ، حبكِ يكبر في تلك العلبة الصغيرة التي قمتِ بحشره فيها ، لتمنعي عنه الهواء والضوء والرواء فيموت ، لكنه كبر في تلك العلبة الصغيرة مشوها مهلهلا مكسور الجناح ، وفيه مئات الجراح ، أيقنت حينها أن أزيز الضلوع بصدري ، لأن جمر الحب مازال متقد منذ سنين ، وأنني لم أفلح في إخماد نيران التلهف والاشتياق ، والرغبة الثائرة لاختلاس النظر ، وربما للقفز من فوق الجدار ، وقد تتمادى وتراودني بهدم الجدار ، يا الله .... كل ذلك مازال حيّ ، وكبريائي هو ، هو من مات ،