عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 15-10-2003, 07:39 PM   #3

الريادة

مشرف سابق

الصورة الرمزية الريادة

 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
التخصص: ادارة واقتصاد/ محاسبة
المشاركات: 225
افتراضي

*(تكملة)


صاح عدنان:

- أعوذ بالله من هؤلاء الفرنسيين المتوحّشين.

فيما تابع الأستاذ حديثه:

- كان الشيخ سليمان يراقب الأمور عن كثبٍ، فيغلي الدّم في عروقه للحال المهينة التي وصل إليها وطنه وأبناء شعبه.

كان يجتمع في داره في القاهرة بزعماء المحافظات والوجهاء والمشايخ، فيتدارس معهم الأوضاع، ويستشيرهم فيما يجب أن يفعلوه لصدّ المستعمرين الفرنسيين الجدد، وكان يستمع إلى كلّ واحدٍ من هؤلاء طويلاً، ثم يعطي رأيه فيما يجري، وفيما ينبغي أن يفعلوه، ثم يُصدِر أوامره ويطلب منهم أن يتقيّدوا بتنفيذها بدقّةٍ، وكانت خطّته تتلخص في أن يستعد شباب المدن والقرى المصرية، وكلٌّ في مكانه، ولا يُسمح لأهل أيّ بلد في التصدي لهؤلاء الغزاة ما داموا عُزّلاً من السلاح.

كان يقول لهم:

«قولوا لأبناء الشعب أن يبقوا في أماكنهم، وأن يتحصّنوا ويتسلّحوا بكل ما يقع تحت أيديهم من أنواع السلاح، من الحجارة والعصيّ والسكاكين والفؤوس وما إلى ذلك من أنواع السلاح..».

وكان يقول للشباب:
«سنّوا فؤوسكم وسكاكينكم وأمواسكم جيّداً، لتقاتلوا أعداء دينكم ووطنكم».
وعندما كان بعض المتحمّسين وأصحاب النظر القاصر يطالبونه بالثورة الفورية، والقتال مع المماليك ضدّ الفرنسيين، كان يجيبهم بحزم:

«لا.. لا يجوز أن نفرّط بشبابنا هكذا.. عليكم بالصبر إذا أردتم أن تنجحوا في طرد الغزاة.. أمّا المماليك فدعوهم يقاتلوا وحدهم. ليبوءوا هم وحدهم بالفشل، أمّا إذا قاتلنا معهم، فستكون النتيجة أن نبقى على ما نحن فيه من الذّلة والمهانة منذ قرون.. سنبقى شعباً ضعيفاً يشتري جيشه من أسواق العبيد.. ثم إن مصر صارت مُلكاً لهؤلاء المماليك العبيد منذ سلّمناهم زمام الأمور عندنا، وطلبنا منهم أن يدافعوا عن أرضنا، وتخلّينا لهم عن شرف الجهاد.. ولو كان أولئك المماليك يحسبون لنا أيّ حسابٍ، لوزّعوا علينا السلاح، ودرّبونا على استعماله، ولكنّهم مستعمرون كالفرنسيين، يريدوننا عبيداً لهم.. لا يثقون بنا، ولا بقدرتنا على القتال».

سكت الأستاذ خالد لحظات.. كان يتفرس - كعادته - في وجوه طلابه، ليرى أثر كلامه فيهم، فلما رأى إصغاءهم واهتمامهم بهذه الشخصيّة الفذّة، تابع يقول:

- لقد كان الشيخ سليمان الجوسقي يؤمن بالكفاح المُسلّح الواعي طريقاً وأسلوباً وحيداً لتحرير أرض مصر من مغتصبيها، إذ لا يدافع عن الوطن إلاّ أبناؤُه؛ فأبناء الشعب هم وقود الثورات، ولا بدّ لنجاح الثورة من قيادةٍ مُدبّرةٍ حكيمة تُوفّر لعناصره كلَّ أسباب القوة من السلاح والتدريب والتخطيط والمال، وكان يقرأ قول الله تعالى: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدوّ الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم» فيبادر إلى تعبئة الشعب تعبئةً روحيةً، فيذكّرهم بتعاليم الإسلام الداعية إلى الحرية والعزّة والكرامة، ولا تتأتّى هذه المعاني إلاّ بالجهاد في سبيل الله، والجهاد يكون باليد وباللسان وبالقلب، والجهاد يكون بالدفاع عن الشعب والأرض والعرض، وكان يُذكّرهم بأمجاد أسلافهم وأجدادهم وعظمائهم.. وكان يُعبّئُهم نفسياً ومعنوياً، وينفخ فيهم روح الثورة والقتال، فيخاطبهم:

يا أحفاد خالد وعمرو و القعقاع.. يا أحفاد صلاح الدين..».
فتمتلئ نفوسهم بحبّ الجهاد لطرد الأعداء من مصر..

فهتف أنس في انفعال:

- الله أكبر.. ما هذا الرجل !.

وتابع الأستاذ:

- وكان يشرح لهم عوامل القوّة الواردة في قوله تعالى: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة..».

وهكذا حتى كان لتحريضه أبناء القاهرة على الثورة، أن ثار الشعب في القاهرة ضدّ الفرنسيين، بعد هزيمة المماليك، وكان يمكن لهذه الثورة أن تنجح لو أنّ سائر المدن المصرية ثارت مع القاهرة، ولكنها لم تفعل، وسارع الفرنسيون إلى البطش بأبناء القاهرة، فأحرقوا المحلاّت التجارية بعد أن نهبوها، وهدموا البيوت على رؤوس ساكنيها، وانتهكوا حُرمة المساجد، ودمّروا عدداً منها، في وحشيّةٍ ألهبت المشاعر، وجعلت الشعب يستعدّ للثأر والانتقام.

سأل عدنان في انفعال ظاهر:

- والشيخ سليمان لا يحرّك ساكناً؟.

أجاب الأستاذ:

- بل كان الشيخ سليمان يستخدم جيشه السِّرّي من العميان في إيصال تعليماته وأوامره إلى الوجهاء والمشايخ وزعماء المدن والقرى، يحثّهم على الاستعداد للمعركة الفاصلة مع المستعمرين الفرنسيين، كما كان يُكلّف بعضهم باغتيال الجنود الفرنسيين، وكان يقوم العميان بأداء واجباتهم في سرّيةٍ وذكاء، واستطاعوا أن يقتلوا عدداً كبيراً من جنود الاستعمار.. يلتقطون السُّكارى منهم وهم خارجون من الحانات بعد منتصف الليل، حتى ضجّ قادة الجيش الفرنسي، واستطاع نابليون معرفة بعض الرؤوس التي كانت تُحرّض على الثورة ضدّه، كما عرف أنّ الشيخ سليمان الجوسقي هو الرأس المدبر، وهو قائد جيش العميان الذين يقومون بعمليّات القتل والاغتيال لجنوده، فثارت ثائرته، وأمر بإلقاء القبض على المشايخ الذين ظنّ أنّهم زعماء الشعب. وكان من بين هؤلاء هذا الشيخ: الأُعجوبة سليمان الجوسقي.

سأل أحمد:

- هل اعتقل نابليون العميان أيضاً؟.

أجاب الأستاذ خالد:

- سجن بعضهم، وقتل عدداً كبيراً منهم، وأمر ضباطه أن يأتوه بشيخهم الذي نظّمهم هذا التنظيم الدقيق.

--------------------------------------------------------------------------------------------------------

*يتبع ..........

 

توقيع الريادة  

 

 

الريادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس