حمدت الله كثيراً أن أصبح تكريم الدكتورة حياة سندي هو القاسم المشترك الآن في معظم الجامعات والكليات لتحكي قصة مشوارها العلمي والتعليمي ولتوضح كيف يمكن للإرادة الإنسانية لدى الفرد منا أن تتمكن من تحويل الصعوبات إلى ممكنات وتعليل عوامل التردد والخوف من الفشل من أبجديات يوم هذا الفرد.. استعدت من ذاكرتي معاناتها أثناء دراستها في جامعة كيمبردج وكيف لم نعرف عنها نحن هنا في الوطن (وطنها) أي شيء الا من خلال ما بثته قناة الجزيرة في منتصف عام 1420هـ الموافق 1999م من تحقيق تلفازي عن نجاحها في اختراع (مجس Sensor) متعدد الاستخدامات يمكن استعماله في مجالات كشف الأمراض والمراقبة الصحية..
وبعد اتصالات معها اتضح انها حاصلة على منحة من جامعة كيمبردج لمدة ثلاث سنوات لتفوقها أثناء دراستها وبسبب انتهاء المنحة وهي لم تنته من دراستها بعد فقد كان لابد من إيجاد من يقوم بتغطية تكاليف الدراسة والمعيشة لهذه المبدعة حتى يتسنى لها التفرغ لدراستها وأبحاثها المتميزة.. وشاء الله سبحانه وتعالى أن أتواصل معها وتصلني منها رسالة طويلة عن واقعها العلمي والمعيشي.. وكتبت عنها في الزاوية بعنوان «الموهوبة: حياة سليمان سندي» في جريدة «الرياض» في عدها 11395 في يوم الاحد 25 جمادى الاولى 1420هـ الموافق 5 سبتمبر 1999م.. ويسر الله وله الحمد والشكر اهتمام المسؤولين في وزارة التعليم العالي وأيضاً في مؤسسة الملك عبدالعزيز لرعاية الموهوبين لاحتوائها.. وتلقيت يوم نشر المقالة اتصالات عديدة من جهات أكاديمية وشخصيات معروفة باهتماماتها العلمية والثقافية يوضحون رغبتهم في دعمها.. وسارت الحياة بهذه المبدعة وحصلت على الدكتوراه بتفوق وواصلت عطاءاتها العلمية وأبحاثها ولكن ظل العائق المالي لدعم مشروعها البحثي (الحلم) لم يتم القضاء عليه.. لانه يتطلب تمويلاً بما يقدر بمائة مليون ريال كما تقول.. ولانعدام الرؤية المستقبلية عند بعض أثريائنا لماذا يعنيه تمويل (مركز أبحاث) فقد احجموا بل هناك من قال لها: لماذا تعودين إلى هنا - ابقي هناك - أي في بريطانيا -!! ولم تجد الاهتمام لمشروعها العلمي إلا من ياباني وأمريكي وبريطاني كانوا من ضمن الحضور في منتدى جدة الاقتصادي عندما تحدثت عن (العقول المهاجرة) وبالطبع تسارُع هذه المراكز البحثية الأجنبية في أمريكا وبريطانيا وروسيا لدعمها ينبع من الخلفية الحضارية هناك التي تدرك أهمية العلم والتقنية والبحوث الرائدة في مسار تقدم البشرية والرؤية المستقبلية لثمارها.. بينما ولدى الكثير من اثريائنا هنا هذه الرؤية تنحصر في استثمارات السياحة والمشاريع العقارية والانفتاح على الاستيراد في كل شيء حتى الأفكار والقيم ولكنها بالطبع ليست الأفكار العلمية أو القيم المحفزة للتقدم العلمي.
٭٭ الموهوبة الدكتورة حياة سندي.. كانت معي في جامعة الملك سعود يوم السبت 23 صفر حيث كان يفترض أن تقدم لمحة عن سيرتها العلمية وتفتح حواراً مع طالبات الجامعة.. وكنت هناك بدعوة سابقة من الجامعة لتقديم محاضرة عن (الهوية الجندرية وآثارها على الأسرة) وللتضارب بين الموعد الذي تم تحديده معي مسبقاً من الساعة الحادية عشرة صباحاً إلى الساعة الواحدة والموعد الذي تم تحديده لها من العاشرة والنصف صباحاً إلى الحادية عشرة والنصف ولسوء التنظيم هناك (وعدم احترام الموعد) الذي تم تحديده معي فقد استغرقت محاضرتها وقتاً إلى الساعة الثانية عشر!! ورغم هذا الترتيب السيئ من قبل المنظمات والمسؤولات هناك إلاّ انني كنت سعيدة بالدكتورة حياة سندي ولقائها مع الجميع وهي تتحدث عن حياتها وعلمها وطموحاتها.. واستعدت في ذهني كيف كان هناك (صدود) من قبل بعض عضوات ما يسمى بالملتقى الثقافي النسائي في جدة ونحن نقترح تكريم حياة الموهوبة وكيف امتلأت وجوه هذا البعض بملامح عدم الارتياح لهذا الاقتراح بل قالت إحداهن: من هي حياة سندي؟ نحن لا نعرفها!! وتعللت رئيسة هذا الملتقى بعدم قدرة الملتقى على تأمين تذكرة لحضورها من لندن وعودتها!! وأنا واثقة أن الدكتورة حياة سندي تتذكر هذا جيداً من خلال متابعتها معي هاتفياً حول ما تم في هذا اللقاء الذي يفترض أن يكون (بادرة منا وتكريماً لأمرأة حققت الريادة في العلم، ولم أستغرب في تلك الفترة وما تلتها من عزوف هؤلاء النسوة في هذا الملتقى عن تكريم د. حياة سندي لأن مستوى الوعي الحضاري بالعلم والمعرفة ليس قاسماً مشتركاً لدى الجميع.
ولا أعرف إن كانت الرؤية نفسها تحكمهن تجاه هذه المبدعة خصوصاً بعد أن فرضت نفسها على فعاليات المجتمع في كل كلية وجامعة وفي اللقاءات الإعلامية..؟
ما يهمنا الآن وما هو واقع من طموح هذه (العالمِة) هو أن كل هذه الهالة الإعلامية الآن هي تستحقها بلاشك وليست هالة مصطنعة كما هي لدى البعض منهن!! ولكن (العالمة حياة سندي) ستبحث عن من يوطن خبرتها وعلمها توطيناً حقيقياً.. ويستثمر خبرتها ويزرع في تربة الوطن ما نطمح إلى تحقيقه بإنشاء (مركز للدراسات والأبحاث العلمية) وحتى لو كانت تكلفته المالية كبيرة فأثرياؤنا والأموال المكدسة في البنوك يمكن أن تتحرك في هذا الجانب.. وبدلا من التوجه المالي نحو مراكز الغرب.. يستثمر علمها لصالح مجتمعها والعالم.. ولكن من هنا.. لا يكفي أن تستمر د. حياة سندي في جولاتها على مدن المملكة وتشرح عن تجربتها وطموحاتها.. ولكن (من المهم) أن يكون هناك (تفعيل حقيقي لهذا الاهتمام بها والكتابة عنها ضمن الرائدات).. (تفعيل حقيقي استثماري وعلمي وبحثي)، ونأمل أن لا يتوقف الحديث عنها في جانب الضوء الإعلامي الذي يرافق نجاحات النساء في مجتمعنا أو في العالم بمناسبة (يوم المرأة العالمي)!! إن يوم العالمِة د. حياة سندي هو أن يتحقق حلمها العلمي في انشاء هذا المركز.. فدعونا نحقق حلم الوطن في التقدم من خلال تحقيق حلم هذه المبدعة الدكتورة حياة سليمان سندي..
٭٭ اتكاءة الحرف
يقول الدكتور عبدالكريم البكار: «من شأن التخلف أن يضرب التوازنات الاجتماعية والسياسية والتربوية العميقة، كما انه يجعل الناس يفقدون الشفافية نحو المعادلات الحضارية فينطلقون حيث ينبغي الاحجام ويحجمون حيث ينبغي الانكماش وينحازون إلى هذا القطب أو ذاك بدافع من قوة العاطفة لا بدافع من أحكام العقل.. ولذلك فإن حاضرهم يشكل دائماً علامات ندم وأسف على ماضيهم».