في الفترة الأخيرة بدأنا نسمع عن هذا المصطلح المطاطي ، وهو مصطلح الحرية الشخصية، فوددت أن نتحدث عنه كلٌ وما يؤمن به بخصوصه ، فهل الأمر على إطلاقه ، أم أن ثمة دور للمحددات الثقافية لأي مجتمع ، ومم تنطلق هذه المحددات ؟
|
أشكرك على طرح هذا الموضوع للنقاش فكثير منا قد يغيب عنه فهم جوانب منه, والبعض الآخر يخلط بين المفهوم الإسلامي والمفهوم الوضعي له.
لعل الحرية الشخصية, أي في شؤون الفرد, بتطبيقاتها الصحيحة وأخص الخاطئة منها في زمننا هذا من الحريات المباحة والمشجعة أكثر من غيرها, والواقع خير شاهد على ذلك, فنجد من يدعو وينظر لها بإجتهاد في شتى وسائل نشر الأفكار من صحف ومنتديات وغيرها تماشياً مع الموجة ووهماً أو إيهاماً بأنهم بنجزون شيئاً ما, صناعة فكر؟ حشد الأتباع للتيار؟ (الله أعلم) وكثيراً ما ينجر وراء مثل هذه الدعوات الغير منضبطة محسني الظن بكل ما يُسَوِدُه الخلق على الصفحات هنا وهناك, أهم ما في الأمر أن القائل مسلم والكلام منمق وفي قالب جذاب ليصادف هوى أو ثغرة في عقل المتلقي, والكل مخير بالتأكيد ولكن الحذر واجب في اختيار مصادر المعرفة وأهمها المعتقدات.
في لسان العرب: ( الحر نقيض العبد, وتحرير الولد: أن يفرده لطاعة الله, كما في قول امرأة عمران (إني نذرت ما في بطني محرراً), والحر من الناس خيارهم وأفاضلهم, وحرية العرب أشرفهم, والحر من كل شئ أعتقه أي أكرمه وأجوده وأحسنه والحرة الكريمة من النساء, والحر الصقر..) ويتضح من هذا أن الحرية صفة حميدة عند العرب وتطلق على الشئ الحسن المستحب.
والإسلام في الأصل جاء بتحرير الإنسان من كل معبود غير الله سواءً أكان حجر أو بشر أو مال, وفي الوقت ذاته إثبات الخضوع والطاعة والتذلل لله تعالى وحده, أي العبودية الخالصة لله, وهذه هي الحرية الحقيقية كما عرفناها كمسلمين, ولا يختلف في ذلك أحد فيما أحسب.
ولا قيد على تصرفات الإنسان ما دامت مباحة وليس لأحد أن يمنع الإنسان من أي فعل
إلا إذا كان محظوراً في الشرع أو يفضي إلى الضرر بالمصلحة العامة أو بالآخرين.
وللتمثيل على ما سبق في مسألة اللباس (أو المظهر كما يروق للبعض تسميته) فمثلاً لبس الذهب والحرير للرجل قد يعد من الحرية الشخصية في النظام الوضعي, ولكنه محرم في الشريعة الإسلامية كما هو معلوم, ومن يفعله معانداً وعلى علم بدليل التحريم فهو آثم وإن ظن أنه لا يضر أحد بفعله, وكذلك يقال عن الإسبال حتى لو لم يكن يقصد به الخيلاء.
هذا فيما جاء فيه النص الصريح, أما غير ذلك فالمجال واسع لإمام المسلمين حسب المصلحة العامة كما نص على ذلك الفقهاء في السياسة الشرعية, ومثال على ذلك لا حصراً ما فعله الفاروق رضي الله عنه حينما نفى نصر بن حجاج رحمه الله من المدينة.
قال السرخسي(المبسوط 9 : 54) وان ثبت النفي على احد فذلك بطريق المصلحة لا بطريق الحد . . . كما نفى عمر ، نصر بن حجاج من المدينة حين سمع قائلة (امرأة) تقول : هل من سبيل الى خمر فأشربها أو هل من سبيل الى نصر بن حجاج, فنفاه . والجمال لا يوجب النفي ، ولكن فعل ذلك للمصلحة فانه قال : وما ذنبي يا امير المؤمنين ؟ قال : لا ذنب لك ، وانما الذنب لي ، حيث لا اطهر دار الهجرة منك . "
وتقدير المصالح العامة والحد من الأضرار الواقعة على الجماعة من واجبات ولاة الأمر المسلمين, ومع ذلك فإنني أقر بأنه في عصور مضت قد تكون هذه القاعدة قد أخطئ في تطبيقها, ولكن هذا لا يقدح في صحتها أو يمنع من العمل بها في الأمور الصحيحة الواضحة.
ثمة عبارة مشهورة وهي"تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين " ، فهل لهذه العبارة من أرض الواقع نصيب أم أنها تنظيرية ككثيرٍ من المصطلحات والعبارات الفضفاضة ؟
|
هل كل سائد هو بالضرورة خطأ ، والعكس ؟
|
لا ولا..
كثير من الأمور السائدة صواب موافقة للشرع ويجب التأكيد عليها وإذاعتها بين الناس مع ما يسندها من أدلة..
وأمور أخرى مخالفة للشرع يجب تصحيحها حسب الإماكنية باليد واللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان, أما من يرى المخالفات ويعايشها على أنها مسلمات لا منكرات ويجب القبول بها حتى لا يُنبذ من مجتمعه فليراجع النصوص وأقوال العلماء ..
رابط1 ..
رابط2
وأمور سائدة من العادات والتقاليد وتختلف أحكامها بإختلاف نوعها, ويؤخذ منها الطيب ويترك الخبيث, وقد تصل مخالفة العرف الصحيح في اللباس مثلاً إلى الإثم من وجهين أولهما الوقوع في معصية لباس الشهرة والأخرى التشبه بغير المسلمين.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) حسنه الألباني والأرناؤوط .
وكيف هي الوسيلة الصحيحة لممارسة حريتنا الشخصية في تجاوز هذا السائد دون الاستنقاص من أفهام الآخرين ومراعاة التراكم الثقافي الذي يمتلكونه بخصوص هذا السائد ؟
|