أضغاث أحلام
لم يكن يعلم كفطرة بني آدم ما يخفى له من قرة أعين جزاء ما قدمه خلال تلك السنين الطوال التي قضاها في البحث والدرس،فقد كان يقضي آناء النهار وطرفاً من الليل في المذاكرة ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء،فكان يسوس نفسه تارة ويقمع نفسه طوراً حتى إذا لاح له في الأفق ما يشغله ترك لجام عقله وشأنه يسرح في طبيعة الخالق،وما هي إلا لحظات حتى تعود نفسه إلى سيرتها الأولى.
وقد ظل على هذا الحال حينا من الدهر،لم يكن يمر عليه يوما جديداً،بل من شدة رتابة الأيام كان يخيل إليه أنه يشاهد فيلما سينمائياً بغيضاً،بل كان في بعض الأحيان يستبق الأحداث قبل حدوثها،ولم يكن يقول ذلك كهانة وإنما كان يقولها تعزية لنفسه التعسه المرهقة.
وفي أحد ليالي البدر وبينما هو نائم في الغسق الأخير من الليل،وقد جف حلقه وبلغ به العطش أن كاد يموت أو خيل لي ذلك،ورأى فيما يرى النائم أنه تزوج ورزق بنين وحفدة،وقد غزى بياض الثلج شعره،وأصبح لا يستطيع القيام إلا بتلك العصاة التي كان يتوكأ عليها ظاهرياً،وإنما كان في حقيقة الأمر لها مآرب أخرى لديه.
وبينما هو كذلك يعبر الشارع متجها للجامع لأداء صلاة العشاء حاضرة،استمع لموسيقى بغيضة أصدرتها كفرات سيارة مراهق طائش لم يكد ينتهي صوتها حتى أنطلقت صرخة معلنة إنتهاء هذه السمفونية ولكن كانت صرخة من؟
لقد كانت صرخة صادرة من حفيد ابنه البكر الذي لم يمهله ملك الموت كثيرا حتى أسلم روحه لبارئها.
وفجأه سمع طرق باب غرفته التي كان نائماً فيها،وصوت والدته تناديه أن حان أداء وقت صلاة الظهر،وتحمل له خبراً ساراً بأنه ظهر اسمه من ضمن المتقدمين للوظائف في الجامعة،فقام ينظر إليها نظر المغشي عليه من الموت.واستعاذ بالله من همزات الشياطين وقد استقر في ذهنه أن سبب ذلك الكابوس كان نومه عن صلاة الفجر.فحمد الله أنه كان من أضغاث الأحلام،وحمد الله أنه لم يرزق بعد بذرية.

|
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
|
|