كتبت مرارًا عن حبي وتقديري للملياردير الأمريكي بيل غيتس، أغنى أغنياء العالم، ليس طمعا في أن يتصدق عليَّ ولو بخمسين ألف دولار، ولكن لأنه تصدق فعلا حتى الآن لفقراء العالم بنحو 40 مليار دولار (لديه وصية مكتوبة يترك فيها لكل من عياله الثلاثة 14 مليون دولار فقط..
وقبل أسابيع قليلة توفيت البريطانية أنيتا روديك صاحبة محلات بودي شوب التي تبيع مواد التجميل النسائية غير الكيميائية، ولم تترك لابنتيها مليما واحدا، بعد أن أوصت بكل ثروتها البالغة مئات الملايين من الدولارات للجمعيات الخيرية.. وأعربت الابنتان عن سعادتهما بقرار والدتهما وقالتا: يكفي انها تركت لنا بيتا جميلا، وربتنا على الاعتماد على النفس)
وكتبت من قبل عن الملياردير الأمريكي وارين بفِت، الذي تبرع بنحو ثلاثين مليار دولار لمؤسسة غيتس الخيرية! لم يقل: هل غيتس أحسن مني؟ لماذا لا أنشئ مؤسسة خيرية تحمل اسمي ويتحدث الناس عن كوني رجل بر وإحسان؟.. رأى بفت ان مؤسسة غيتس تقوم بجهود محسوسة لمحاربة المرض والأمية في الدول الفقيرة فقرر ان يعطيه نصف ثروته (يعني تبرع بـ30 مليارًا وعنده الآن 30 مليار دولار)، وعندما التقى غيتس بوارين بفت لأول مرة قبل سنوات كان مقررا ان يدوم اللقاء نصف ساعة.. ولكن الوقت سرقهما واستمر اللقاء عشر ساعات متصلة.. وجد كل منهما في الآخر شخصا مُترعا بالمشاعر الإنسانية فامتدت الدردشة وكانت كلها حول "كيف نساعد الفقراء؟".
قبل أسابيع قليلة استضافت شبكة سي ان بي سي الأمريكية بفت، واعتبرت الشبكة قبوله بالظهور في برنامجها مكسبا كبيرا، لأنه ليس من فصيلة الأغنياء الذين يعشقون الأضواء وتلميع الذات.. نطق بفت خلال الحوار التلفزيوني بدرر قد يستفيد منها كل طالب نجاح في مجال الأعمال والثروة: ما زال يعيش في بيت من ثلاث غرف منذ ان تزوج قبل 50 سنة "هذا البيت يكفيني ولا حاجة بي إلى بيت أوسع منه".. يقود سيارته بنفسه.. يعني لا سائق ولا حارس شخصي.. ولا يسافر قط على متن طائرة خاصة رغم أنه يملك واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم "إذا كان بإمكان أي طائرة أن توصلني إلى وجهتي في وقت معلوم فما حاجتي إلى طائرة خاصة؟".. يعني المسألة ليست "بخلاً" بل هو تفكير عملي.. فالرجل يؤمن بأنه طالما بإمكانك إنجاز شيء ما بتكلفة أقل فعلام السفه وتبديد المال؟ وغدًا بحول الله نواصل.
بقلم/ جعفر عباس
صحيفة عكاظ