خلف الحربي
شريهان تبيع الفصفص
ثمة مهمات وأدوار في هذه الحياة لا تقبل القسمة على اثنين.. فحين حازت الفنانة الاستعراضية شريهان على إجازة في الحقوق اضطرت لخوض معركة طاحنة مع نقابة المحامين المصرية لأن الحقوقيين وجدوا أن رقصها على المسرح لا يتناسب مع وقار مهنة المحاماة، وحين قررت أستاذة الفلسفة عالية شعيب التمثيل في مسلسل تلفزيوني اضطرت لخوض معركة مع جامعة الكويت لأن أعضاء هيئة التدريس وجدوا أن قيامها بهذا الدور لا يتناسب مع وقار العلم، وحين أراد ملك بريطانيا الاقتران بامرأة أجنبية تحوم حولها الشبهات اضطر للتنازل عن العرش لأن الأمة البريطانية وجدت أن هذا الزواج لا يتناسب مع وقار الملكية.. فهل القانون أو العلم أو حتى الملك هي مجالات أكثر وقارا من الدين؟!.
الحياة خيارات.. وليس ثمة خيار في هذه الدنيا أكرم وأنبل من الدعوة إلى الله، فهذا خيار لا يرتجي منه صاحبه مالا ولا شهرة، والناس في كل مكان ينظرون إلى الداعية باعتباره إنسانا شديد المصداقية لذلك فإنهم يشعرون بالصدمة إذا ما ارتكب أي خطأ كان، والداعية الشيخ عايض القرني رجل أعطاه الله العلم والمال والشهرة ومنحه ملايين المعجبين الذين يدافعون عنه دفاعا مستميتا لأنهم يظنون فيه الخير، فلماذا يورط نفسه في سلسلة من الأخطاء التي لا تتناسب مع مكانته الدعوية؟!.
هل كان الشيخ عايض يتوقع أن يمر تعاونه مع محمد عبده دون أن يتساءل الناس عن مشروعية هذا التعاون الفني؟، هل كان يظن أن جائزة المليون ريال التي تم تخصيصها لمجاراة قصيدته العصماء لن تدفع الناس لطرح الأسئلة حول أحقية الفقراء بهذه الأموال التي أهدرت على سبيل (الفشخرة)؟، هل يمكن تقبل مقالاته المتشنجة في الشرق الأوسط التي وصف بها منتقديه بالفئران ووصف نفسه بالأسد دون أن يعتقد القراء أن الشيخ بدأ يغرق في بحر الغرور والكبر الذي نهى عنه ديننا الحنيف؟.. وكيف يمكن هضم إيقاع التحقير الذي جاء في استخدامه لوصف (بائعة الفصفص النيجيرية)؟، ألا يدل هذا الوصف على نظرة عنصرية مرفوضة دينيا وإنسانيا؟ ألم يقل الشيخ عايض القرني أنه يخاف على أوباما من الحسد حتى ظننا أن الشيخ سيذهب إلى البيت الأبيض ليرقيه؟!، لقد اعترف الشيخ عايض نفسه بخطأه في حق بائعة الفصفص من خلال قصيدة اعتذارية (ضعيفة فنيا أيضا!) والاعتراف بالحق فضيلة ولكن هل سيستمر في مسلسل الأخطاء التي لا تليق بشيخ جليل؟.
حين كتبت قبل أشهر عن تعاون الشيخ عايض مع محمد عبده تحت عنوان (انتظروني دون عقال) وحرصت على عدم ذكر اسمه تقديرا له فقد كنت مهتما بأيضاح فكرة محددة وهي أنني أظن ـــ وبعض الظن إثم ـــ أن الشيخ عايض يبحث عن الأضواء بصورة لا تتناسب مع مكانته الوقورة، وقد لاحظت ذلك من خلال قصيدته المتسرعة عن (منقاش) العجوز العراقي الذي اعترف بعدم إسقاط الطائرة الأمريكية وكذلك قصيدته النبطية التي تغزل فيها بحضارة دبي ثم تعاونه الأخير مع محمد عبده، وقد تلقيت حينها رسائل مؤيدة لما كتبت وأخرى معارضة.. ولكن بعض الرسائل كانت متشنجة جدا فعرفت أن قسما من الناس لا يقدسون الأفكار بقدر تقديسهم للأشخاص!.