فهد محمد السلمان
على قامة الريح
ما هي نسبة العرب ؟
لو قلت لكم إن نسبة العرب الذين يضربون زوجاتهم هي 35% ، وإن نسبة العرب الذين لا يعرفون أين يدرس أبناؤهم 15% ، وإن نسبة العرب الذين يخافون ركوب الطائرة 18% .. هل يستطيع أحد منكم أن يؤكد هذه النسب أو ينفيها ؟ .
حتما لا .. لأنه وفي حدود علمي أن العرب لا يعرفون تعدادهم السكاني على وجه الدقة ، فضلا عن أن يعرفوا هذه النسب في التفاصيل ، وهذه الأسئلة التي استوحيتها من برنامج مسابقات تليفزيوني تعتمد أسئلته على مثل هذه الأسئلة المموهة التي تقبل كل الاحتمالات ، دفعتني للتأمل في واقع هذه الدراسات الاجتماعية والإحصائية في الوطن العربي ، وهو كما نعلم واقع يعيش كل حالات البؤس على أهمية هذه الدراسات في رسم الخطط والإستراتيجيات لمواجهة مشاكل كل مجتمع على حدة .
سأطرح هذا السؤال : ما هي نسبة العرب الذين يؤمنون بمصداقية الدراسات التي تُجرى بينهم ؟ .. في تقديري أن الإجابة الصحيحة هي صفر في المائة ، لستُ متشائما ، وإنما كيف يتسنى لنا تصديق هذه النسب في الوقت الذي تفاجئنا الإحصائيات أن تعداد الطلاب في هذه المنطقة أو تلك للعام الجاري هو مائة ألف طالب مثلا ، في حين تظهر إحصائية العام الذي يليه لنكتشف أن العدد تقلص إلى النصف ، أين ذهب الفارق ؟ ، وأين ذهب الطلاب المسجلون الجدد ؟ ، ربما أكلهم القط ، لا أحد يعلم !! ، والحال نفسها تحدث مع عدد المباني الذي يزيد وينقص وفقا لمزاج الجهة التي أعدت الإحصائية وهكذا .
أقول : إذا كنا عاجزين عن الإحصاء ، وهو مجرد تعداد يُمكن أن يتم بالحساب على الأصابع ، فكيف إذن سنتمكن من دراسة تناسبية لتفاصيل تقوم على الثقافة السلوكية أو على المشاعر أو على مستويات الوعي ؟ .
هنالك إشكالية كبيرة فيما يتصل بالدراسات في الوطن العربي برمته لا أول لها ولا آخر ، بحيث يُمكن أن تصدر دراستان في وقت واحد لغرض واحد ، ويكون هامش التطابق بينهما مثلما بين السماء والأرض ، وهذا ما يجعل معظم قراراتنا قرارات مكتبية لا تنسجم مع الواقع ، ولا تقترب منه ، بل ربما فاقمت القرارات لعدم استنادها إلى معطيات الواقع من الأزمة وزادت الطين بلة .
للأسف الشديد ، الذين يبيعون السجائر على أضرارها يجرون دراسات دقيقة لزبائنهم ابتداء من لون العبوّة ونكهة التبغ وحجم الاستهلاك الفردي ، فيما تعجز مؤسسات تربوية عن قياس حجم وأسباب التسرب مثلا من المدارس ، أو مؤسسات اجتماعية فيما يتصل بمستوى المعيشة والقرب أو البعد عن خط الفقر ، والسبب أننا لا نزال ننظر للدراسات على أنها مجرد حدس رقمي ، وليست قراءات ميدانية ، أو أنها مجرد مسوغ من مسوغات البحوث الجامعية لنيل درجة علمية وحسب .
أخيرا أسألكم : ما هي نسبة العرب الذين خضعوا لدراسة اجتماعية جادة ؟ .. الإجابة فقط لدى جورج قرداحي ! .