المتنبي ينتصر لنفسه في فرانكفورت وشيكاغو !!!!!

[القنديل]

بعد مغرب الثاني عشر من أغسطس كنت أحزم حقائبي أتهيأ للسفر وسط حيرة أحاطت بي حيث انتهى


بي الإختيار إلى ثلاثة كتب سيرافقني أحدها إلى أمريكا وذلك بعد تفكير وتمحيص وفرز لمكتبتي

المتواضعة.

وكانت الكتب الثلاثة هي:

ديوان المتنبي ، رواية الحب في زمن الكوليرا لجارسيا ماركيز ،والهوية والعنف وهم القدر لأمارتيا

سين .

وكنت قد أعتدت فيما مضى أن يرافقني أبو الطيب المتنبي دون منازع !!!


فقد صحبني لبريطانيا في عام 2010م عندما كنت أدرس في مدينة برايتون الجميلة .


أمضى معي ليالي بريطانيا :

حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا

فلم أدري أي الضاعنين أشيع

هذه المرة وجدتني أميل إلى رواية الحب في زمن الكوليرا وتركت المتنبي وامارتيا زين على الطاولة

وحملت حقيبة اللابتوب بعد أن دسيت رواية الحب في زمن الكوليرا فيها .

توجهت للمطار وأنا أتفقد جواز السفر وبعض أقراص الأدوية وبعض دوار ممتزج بالتفكير في رحلة

تستغرق قرابة يوم كامل !!!

ودعت سائق التاكسي "باتشا" .

بعد قليل وجدتني أول الواقفين أما كاونتر اللوفتهانزا الألمانية انتظر موظفيها لإنهاء إجراءات السفر .

إنتظاري قطعه أسئلة شاب في التاسعة عشر من عمره صب علي سيلا من الأسئلة :

كيف ننهي اجراءات السفر ؟!

ماذا نفعل في مطار فرانكفورت ؟

هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها !

توتر الشاب زادته دموع والدته ونشيجها عندما ودعها ،

فقدكان يتحدث لي عن والدته بحرقة كيف كانت دموعها إذ غادر منزلهم !!!

اتصلت به أمه فقلت له قل لها وجدت صديقا يعرف كل هذه الأمور ولديه خبرة في السفر وهو يبعث

تحياته لك .

وصل موظفو الطيران الألماني (اللوفتهانزا) فقدمت الشاب فأنهى إجراءاته فطلبت إليه أن ينتظرني عند

بوابة السفر ريثما أنهي إجراءاتي .

بعد دقائق قليلة كنت والشاب نحتسي الشاي أمام البوابة و القنديل يصب تجارب العصاميين والعظماء

على الشاب صبا علها تبدد وحشته وترفع ثقته في نفسه !!!

صعدنا الطائرة الألمانية فصعدت معي ذكرى الحرب العالمية الثانية وأولف هتلر !!!


بعد قليل كنت ألوح بقلبي للرياض إذ بدت تغرق في الظلام بعد أن ابتعدت بنا الطائرة في الأفق وهي

تتجه بنا إلى فرانكفورت بألمانيا !

كنت أجلس بجوار شاب إلى جانبه فتاه تحدثت إليه هل وجهتكم أمريكا فأجاب نعم وأسترسل أنا في بعثة

دراسية وهذه زوجتي ونحن في شهر عسل لم نكمل شهرا ونصف بعد الزواج !


فقلت ما أجمل ان تمزجا الحب بالعلم والفكر إلا أن الخجل كان يسيطر على العروس فلا حراك ولا

حديث فقد اجتمع خجل العروس على عادات وتقاليد وقلت : هل ستمضي كل هذا الوقت من الرياض إلى

ألمانيا صامتة ؟!
!!!.

عندها بحثت عن مقعد شاغر وعندما وجدته عدت لهما وقلت لا أجد شيء أقدمه لكما بمناسبة زواجكما


ونحن في الأفق إلا أن أترك هذا المقعد ليبقى شاغرا فلا تتحرجا فأنا أقدس الخصوصية .

حاول الشاب أن يبرر بينما خلت أن الفتاة كانت تصفق لهذه الخطوة !!!


استدرك الشاب :من فضلك كم ساعة ستمضي في ألمانيا قبل أن تواصل لأمريكا (ترانزيت)


فقلت : ساعتان فقط!!!


فقال :نحن إنتظارنا ست ساعات ، واسترسل كيف الإجراءات و .......!!!!

فعلمت أن لديه نفس هواجس صاحبنا الشاب !، فقلت سأنتظركم عند بوابة الوصول وسأصحبكم إلى

بوابة المغادرة الخاصة بكم لا تقلق .

جر القنديل خطاه إلى مقعده الجديد و قدم شكره للمضيفة التي وفرت له المقعد الجديد وحمل رواية الحب

في زمن الكوليرا .

هم أن يقرأ لكن النعاس ضرب قبته على جفنيه فغرق في سبات عميق !!!!

تنبه القنديل من نومه على صوت أزيز الطائرة .

نظرت إلى الشاشة فوجدتني قد قطعت 3 ساعات من النوم المتواصل !!!

فأرتحت لهذا الأمر أيما راحة .

تناولت بعض الطعام واحتسيت الشاي وبدأت أقرأ .


ومع شروق شمس الثالث عشر من أغسطس كانت عينا القنديل لا تخطئ مباني فرانكفورت وأرضها


الخضراء والطائرة تقترب من المطار !!!!

فقلت :


أهذه ألمانيا النازية التي طالما أمسكت بكتاب رمضان لاوند وهو يجوب بي أرضها يصور حرب هتلر

العالمية الثانية ؟!!!

وهل هذه ألمانيا لتي كانت طائرات تشرشل وإدوايت أيزنهاور تمطر قنابلها عليها ؟!!!


أهذه ألمانيا الهولوكوست التي أحرق بها هتلر اليهود ؟!!



أهذه المانيا التي كان جيش ستالين الأحمر دخلها ذات يوم معلنا عن نهاية هيمنة هتلر وغطرسته ؟!!!


أهذه ألمانيا الشاعر بريخت الذي يقول " أجمل شيء في أمريكا هو أننا نفهمها " ؟!!!


أهذه ألمانيا جوته ؟!!!

آه يا ألمانيا !!!!


حطت الطائرة على المدرج ومضيت أجر خطاي لأجد العريس وزوجته والشاب ينتظراني هنأتهما

بسلامة الوصول ومضوا يتبعونني في ممرات مطار فرانكفورت حتى أجلستهم أما بوابة مغادرتهم فقد

كانوا جميعا على نفس الرحلة.

صافحني العريس وانا أمازحه :

لا تنقل لي عدوى الزواج من فضلك !!!!

وقلت للشاب أما أنت فتعال عانقني فلا خوف منك وهمست في أذنه :


صدقني أن الحياة لا تعني إلا الكفاح وفقك الله .


لمست في أعينهم بريق حرقة لفراقي وهم لا يعرفوني قبل ذلك ولكنها الغربة ! فتذكرت شطر أمرئ

القيس :

وكل غريب للغريب نسيب !!!!


وصلت بوابة المغادرة إذ ستأخذنا طائرة اليونايتد الأمريكية إلى شيكاغو ومن شيكاغو إلى ولاية

أوهايو !!

انتظمت في طابور طويل قبل الكاونتر ، وفتاة أمريكية تمر علينا في الطابور تسأل عن بعض

البيانات .

مرت بي كغيري وسألتني عن وجهتي وهل انا طالب ؟

فأخبرتها فطلبت إلي i20 وهو نموذج القبول الجامعي ولن تستطيع إستخراج الفيزا من السفارات

الأمريكية بدونه إذا كنت طالبا .!!!


فقلت لها لقد تركته في الرياض ولم أحضره !!!!


عندها أخرجت القنديل من الطابور واستدعت سيدة أمريكية ذات بشرة سوداء أنيقة في لباسها لكنها

كانت حادة وهي تتحدث معي !

لماذا لم تحضر ال i20 ؟

وهل تتحدث الإنجليزية أم لا ؟ لأنني سأسلك أسئلة أمنية؟!!!

قلت أتحدث الإنجليزية ، و اسألي كيف ما شئت ؟!

وهنا بدأ سيل الأسئلة و القنديل يجيب :

لون حقيبته التي سيتسلمها من شيكاغو ،محتويات الحقيبة ،وظيفته ،جامعته في السعودية ،الجامعة التي

سيدرس فيها ........................!!!

وبعد كل هذه الإجابات

أخذت ملصقا صغيرا ووضعته على بطاقة الصعود !!

وقالت سيسألونك في شيكاغو .

فقلت لا بأس .

ولكن هل تأذنين لي بسؤال :

إ
ذا كانت الفيزا تشترط ال i20 لإستخراجها فهل بعد الفيزا شيء ؟ فهي بوابة العبور لأمريكا ولولا

حصولي على الi20 لما حصلت عليها !!!!

فقالت هذا نظامنا !!!

انتظم القنديل في الطابور من جديد وهو يهمس لقلبه أصابتك لعنة المتنبي وغضبته!!!


وهل ستظنه سيتركك تمضي قبل أن ينتصر لنفسه ؟


وكأني به يقول من هذا الكولومبي جارسيا ماركيز حتى تفضله علي ؟!!


وكيف تركت إرث عمره عشرة قرون وتحمل رواية عصرية من القرن العشرين ؟!!!



إيه يا أبا الطيب صب جام غضبك وتقريعك فقد فقدت صوابي إذا تركتك وفضلت عليك هذا

الكولومبي !!!!


فالعفو العفو فقد ثاب إلي عقلي !!!




دقق الموظف في بطاقة الصعود وهو يبتسم و أزال الملصق وتركني أصعد طائرة اليونايتد .


جلست بجوار رجل أمريكي وكأنه تلة لضخامته وما ان أقلعت الطائرة حتى أسلم عينيه للنوم وحرمني


النوم فما أن يتحرك حتى يتحرك صف المقاعد كله !!!


فقلت وهذه أيضا غضبة المتنبي .

وبعد ثمان ساعات عجاف بدأنا نكتب بياناتنا الخاصة قبل الهبوط . والرجل الضخم يبادر ويسألني إذا

رأى بياناتي :

هل انت من جدة ؟!

فقلت لا !

فقال أنا عملت في جدة لمدة سنة ونصف في الطيران الخاص أنا كابتن طيار !!!!

السعوديون كرماء !


وأخذ يحدثني انه لديه زوجة لطيفة وولد وبنت جميلين وأشار إلي أن أزورهم في منزلهم في شيكاغو !!


فأخبرته أنني سأواصل لكليفلاند أوهايو .


حطت الطائرة بسلام وانتظمنا في طابور طويل وتفقدت رواية الحب في زمن الكوليرا فلم أجدها فعلمت

أني قد نسيتها في الطائرة فقلت :

وهذه أيضا معركة كسبها المتنبي !


ولو كانت عندي بمكانة لما نسيتها !!!!

وبعد وقت ليس بالقصير وجدتني أقف أمام موظفة الأمن فسألتني عن ال i20 فأخبرتها أنني لم

أحضره !!!!!

فتركت كرسيها وأمسكت بجواز سفري وقالت اتبعني !!!!


فمضت تقطع ممرات المطار وأنا خلفها ومئات الأعين من شتى الجنسيات تنظر إلي وكأنها تنظر إلى


مجرم ، وكأنها تقول لقد عمل عملا ليس باليسير لذلك أقتادوه للمركز الأمني في المطار !!!!


وأنا أقول وهذه لك أيضا يا أبا الطيب المتنبي فقد شمت بي الناس !!!!!!!



وصلنا للمركز الأمني وأشارت إلي بالجلوس ودخلت المكتب الداخلي وبعد قليل خرج إلي رجل امن

وأشار إلي بتعبئة بيانات .

فقلت يا سيدي من فضلك ممكن هاتف أتصل بالسيدة روجينا مسئولة القبول بالجامعة وسترسل لكم

i20في دقائق قليلة بعن طريق البريد الإلكتروني .

قال لا لا يلزم فقط قم بتعبئة هذه البيانات .


وطلب إلي إرسال ال i20 من الجامعة غدا على عنوان سلمه لي في ورقة .


غادرت المركز الأمني وحملت حقيبتي و هرعت لبوابة المغادرة فوجدت الرحلة قد غادرت

لكليفلاند !!!!

فقلت وهذه لك أيضا أيها المتنبي ..!!!!!


وجدت رحلة أخرى بعد ساعة وغادرت عليها ووصلت مطار كليفلاند ولكن هذه المرة دون

حقيبتي !!!!

فقلت وهذه أيضا يا أبا الطيب ؟!!!!


وتأخرت حقيبتي وبعد ساعة وصلت على متن رحلة أخرى !!!!


أمضيت أياما في أمريكا وأنا أتحدث لنفسي هل تعود أيام الوفاء بيني وبين المتنبي لا سيما بعد ما

أصابني جرا تفضيلي الكولومبي عليه ؟!!!

حتى زرت شلالات نياجرا على الحدود الكندية في رحلة نظمتها الجامعة فوجدتني وأنا ألتقط صورة

لمياهها النقية أترنم بأبيات التنبي :

ألحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ

وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ

يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ

هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ

ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ

وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ

إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي

وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ

وَيَزِيدُني غَضَبُ الأعادي قَسْوَةً

وَيُلِمُّ بي عَتْبُ الصّديقِ فأجزَعُ

فكأنما أشرقت شمس يوم لم أعهدها من قبل وأخذت أردد :

ويلم بي عتب الصديق فأجزع

ألست القائل يا أبا الطيب هذا الشطر فمالي أراني أعاتبك على جفاك فلم تجزع فضلا عن الصفح !!!!!

هذا الشطر :

ويلم بي عتب الصديق فأجزع

كنت أترنم به وأنا أنفض الغبار عن ديوانه بعد غياب دام قرابة ثلاثة أشهر بعد عودتي شقتي في

الرياض .

وعادت سني الصفا والوفاء بيننا !!!!






:

[سهورة الأمورة]

قنديلنا الكريم

أتركت المتنبي وهو يقول لك

واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ --- وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

يا من يعزُّ علينا أن نفارقهــم ---وجداننا كلُ شيءٍ بعدكم عدمُ

وبعد شهر من رحيلك أمضى يسترسل في شعره منشدا

مَلومُكُمـا يَجِـلُّ عَـنِ الـمَـلامِ "" وَوَقـعُ فَعالِـهِ فَـوقَ الـكَـلامِ

ذَرانـي وَالفَـلاةَ بِـلا دَلـيـلٍ "" وَوَجهـي وَالهَجيـرَ بِـلا لِثـامِ

وبعد مضي شهرين من سفرك لم أتمالك نفسي وانهمر الدمع من عيني
عندما كان يعبر عن حنينه وشوقه إليك


أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ...... وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرَى ...........بَغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ
ألا لَيْتَ شعري هَلْ أقولُ قَصِيدَةً...... فَلا أشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ
وَبي ما يَذودُ الشّعرَ عني أقَلُّهُ....... وَلَكِنّ قَلبي يا ابنَ القَوْمِ قُلَّبُ
فَتًى يَمْلأ الأفْعالَ رَأياً وحِكْمَةً........ وَنَادِرَةً أحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ


وكأني أسمعه عند عودتك يستقبلك بشعره قائلا

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي--- وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

الخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني--- وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ

أما علمت أنه كان ينشدها وكله فرح وطرب لمقدمك ولكن على طريقته التي اعتادها

هنيئا لك به وهنيئا له بك
وهنيئا لقسم اللغة العربية بكما

[عباس قرناس]

كلام جميل .
واذا كان هناك شرف لي فهو معرفة هذا الشخص المبدع ، واتمني له التوفيق .

[أميرة نفسي]

سُعدت بقراءة هذه الاسطر
زادك الله من فضله