سنة أولى جامعة

[العطـــــاء]

صباح الخير!

حسناً أعتقد اليوم بأنني وصلت لمرحلة مناسبة للكتابة عن نصائح للمستجدات – والمستجدين- في الدراسة الجامعية. انهيت دراسة البكالوريوس، وسنتي الماجستير، والآن سأبدأ بالعمل في التدريس الجامعي. لدي نصائح كثيرة ومشابهة للتي وجدتها في الهاشتاغ الذي بدأ فكرة التدوينة على تويتر (#نصائح_للمستجدين_في_الجامعة). لكن لا أجد أفضل وأكثر أثراً على المدى البعيد من هاتين: ارتدي حذاء مريح منذ يومك الأول، ونامي جيداً منذ اليوم الأول كذلك. سيحدثكم البعض عن اختيار الملابس، وسأقول ابحثوا عن الراحة، الراحة أولاً ثم الاناقة، التزموا بالقوانين ولكن هذا لا يمنع أن تشعروا بالسعادة في الصباح، لا يمكن أن يفشل قميص أبيض واسع ومحلى بالدانتيل في منحكم ذلك. اكتبوا محاضراتكم بأنفسكم من اللحظة الأولى، حتى لو كانت خربشات، حتى لو كانت رؤوس أقلام ولا تقعوا فريسة للانتظار، انتظار الزميلات اللاتي سيمنحنكن كراساتهن، مع كثير من المنّة والتهديد، والنصائح! احصلوا على المراجع الخاصة بالمادة فوراً، وإن لم تتوفر في المكتبات أو لديكم تواصلوا مع استاذة المادة واخبروها بسعيكم الحثيث للحصول على المرجع، يمكنها مساعدتكم أو على الاقل معرفة أنكم مهتمون. لا تتظاهروا بالذكاء، والغباء كذلك، عندما تتعقد الامور اطلبوا المساعدة من رأس الهرم، زميلتك وإن كانت جيدة ومتفوقة لن تمنحك الصورة كاملة – مع أني من اشد المؤمنين بالتعلم التعاوني – لكنه يفشل أحياناً. اختاروا فريق العمل بحذر، لا يوجد أسوأ من اكتشافكم أن فريقكم مسرع للهاوية، لا مشاريع تنجز بسهولة، ولا تعاون والكثير الكثير من الهلع وتضخيم المشكلات. وإذا لم تتمكنوا من تحديد أيّ الزملاء أو الزميلات أفضل استعينوا من جديد بمن؟ بأساتذة المادة.

الحضور، الحضور، الحضور، لستُ طالبة مثالية في الحضور، اتغيب عن بعض المحاضرات أحيانا لأسباب واهية، لم انتهي من شرب قهوتي اللذيذة، سهرت لوقت متأخر لمشاهدة مباراة في الدوري الأسباني، أو لأن الجوّ في الحديقة رائع والكتاب في يدي أروع. لكنني ندمت لاحقاً، ليس لأن المعلومة التي تقال لا تعوض، بل لأن اساتذة الجامعة لن يجدوا في رصيدي الاهتمام عندما احاول الاتكاء عليه.

الحضور والغياب والالتزام بهما سيمنحكم فرصة للتعويض لاحقاً، هفوة في اختبار، تقصير في مشروع، أو تأخير!

تجنبوا المحبطين، كانت في إحدى مراحل دراستي الجامعية طالبة سببت لي قرحة – بسيطة والحمد لله – بكثرة ترديدها للجمل المحبطة من قبيل ” سنرسب في هذه المادة .” “ عملنا ليس جيد كفاية ..” “هذا الاستاذ سألت عنه والكل قال بأنه شرير ومتسلط” هذا بالاضافة للاتصالات الهاتفية الطويلة وغيرها. الخطأ كان من طرفي أنا واعترف بذلك الآن، لأنني تركت لها مساحة التعبير هذه وتعكير مزاجي الدراسي، وهي ومن هم على شاكلتها سبب رئيسي لهلع الاختبارات.

وبذكر الاختبارات اليكم نصيحتي، لا تنتظروا لليلة الاختبار، حتى لو كانت ذاكرتكم متطايرة مثل ذاكرتي وتحتاجون لتقديم فقرة القراءة والحفظ لآخر دقيقة. هذا خطأ طبعاً، ولأنني لم أحاول البدء بالمذاكرة باكراً إلا في مادة وحيدة في سنة دراستي للماجستير الثانية – وربما كانت آخر مادة درستها- عرفت كم فوتت على نفسي الكثير. وإن حصل واضطررتم للبقاء حتى اللحظة الأخيرة سأهديكم نصيحة مهمة تسهل المغامرة، بعد انجاز قدر مناسب من المذاكرة، ناموا جيداً، حتى لو دخلتم الاختبار قبل ختم المنهج، لماذا؟ لأن الاجابة على الاسئلة بذهن مشوش ومتعب ستدمر كل شيء، أما النوم والحصول على الراحة سيمنحكم قدر جيد من الاجابات الكاملة وستتمكنون من النجاح بإذن الله.

لا تعتمدوا على الكلمة المنقولة شفهيا، يقول الدكتور كذا أنه يطالبنا بكذا، الحضور لهذه المادة في اليوم الفلاني بناءا على مكالمة هاتفية بين طالبتين، اتصلت صديقتهم بالاستاذة! الكلمة المنقولة شفهياً تتعرض للتحريف والاعتماد عليها مصيبة، دائما خذوا المعلومة من مصدرها مباشرة، حتى لو اضطركم ذلك المشي الطويل، أو الحضور في يوم لا تدرسون به، أو الاتصال شخصياً بأساتذة المادة وتحمل الاجراءات البيروقراطية الطويلة إن تطلب الأمر ذلك.

النصائح أعلاه للتطبيق في أي سنة دراسية كنتم، وليست حكرا على المستجدين والمستجدات، الذين سأذكرهم بالحصول على كل الكتيبات التي تحوي قوانين الدراسة والاجراءات والعقوبات، ومتابعة نشرات الاعلانات المعلقة في الممرات، كل شيء مفيد. فقد تجدون انشطة تعجبكم وتضعكم في الصدارة أمام المسؤولين، أعرف طالبات تخرجن وحصلن على وظائف جيدة فور تخرجهم، والآن يترقون لمنصب بعد الآخر بسبب هذه الوصفة السحرية، كنت اعتقد أن هدفي الأوحد هو الحضور، تلقي العلم، الخروج، الاختبار .. وهكذا، واغفلت الجانب اللامنهجي في الجامعة، ولدي بعض الندم بسبب ذلك. أقلها عندما تعودون بعد سنوات للتقديم على وظيفة أو الحصول على توصية أكاديمية يتذكركم الاساتذة والاداريون دون الحاجة للشقلبة وافتعال حركات المهرجين وسرد تاريخكم الاكاديمي المجيد.

احذروا القيل والقال، طبيعة علاقات الطالبات والطلاب في الجامعة ستاتيكية، قد تتوطد صداقاتكم وقد لا يحدث ذلك، بالنسبة لي عندما وصلت للجامعة كنت قد اكتفيت بصداقات طفولتي، وكانت قريبتي معي في نفس المرحلة الدراسية مع اختلاف تخصصنا، لم أكن بحاجة للدخول بعمق في حلقات الصداقات، لكن علاقتي كانت جيدة بالجميع، وحرصت على شيء وحيد، أي كلام ينقل لي عن سين من الناس لا انقله وأحاول تجنب البحث خلفه والانشغال به. لأن من يحكي لك يحكي بك وهكذا. وليس هناك أسوأ من أن تضطر لإكمال عدة سنوات مع مجموعة من الزميلات أو الزملاء بعد أن حدث مثل هذا التشويش بينكما. وتذكروا دائماً أنّكم تجتمعون برفاق الدراسة أكثر من أهليكم بالنظر لساعات اليوم، فاتركوا الانطباع الأفضل وارحلوا.

أحبّ ألا آخذ الدراسة على محمل الجدّ أحيانا، أجدني خلال مذاكرة مادة دسمة ومخيفة التقط بيت شعر، أو تشبيه ادرجه المؤلف بشكل اعتراضي واحفظه، وآتي قبل الاختبار واردده على زميلاتي فننخرط في الضحك. كيف تجاهلت المعادلات المعقدة أعلاه، أو النظرية الاحصائية في الصفحة التالية وعلقت هناك. ستنتهي الدراسة وستبقى الدوائر السوداء حول عينيكم، والارق، وبعض الهموم. لماذا؟ لانكم لم تتوقفوا للابتسام، وتأمل الاشياء الصغيرة. في مبنى الدراسات العليا بجامعة الملك سعود، وإلى جانب الدرجات الخارجية، دائما تحط العصافير، وبعض القطط الشاردة، وفي طريقي لشراء قهوتي من د.كيف القريب امشي على مهل كي لا اخيفها، اتأملها، واكتشف أن المحاضرة بدأت خلال ذلك. لم آتي ركضاً خلال دراستي في الرياض، ولا مرة. اخرج قبل موعدي بساعة، اسلك الطريق الطويل، استمع للموسيقى، اتصل بعائلتي، أو انهي كتاباً علقت فيه طويلا، ثم بين البوابة رقم ٣ والمبنى، اتأمل الفتيات، والاسفلت، والاشجار- إلا في حالة الصيف فالتأمل يُختصر قليلاً- .

لم اكن أريد الحديث عن النظافة، ولكن بما أنني تحدثت أعلاه عن الاسفلت تذكرت أنّ الخروج للجامعة في الرياض يفرض علينا الاستحمام يومياً، كمية الغبار والسواد مخيفة! ولا اتصور بأنّ الانسان سيبقى بعد عودته مسترخياً بعد شعوره بكل هذا الاتساخ. أيضاً الماء رخيص والصابون كذلك، كانت معكرات مزاجي – وما زالت – امرأه ناضجة لا تهتم بنظافتها، ترتدي أغلى الثياب وتتشدق بأقوى المصطلحات الاكاديمية وتربي الاجيال وهي لا تعرف أساسيات الوجود الانساني، أيضاً العطور القاسية والقوية، تختلط بالهواء والماء الذي اشربه والقهوة التي اتوقف عن اكمالها لهذا السبب.

ساعدوا قدر الامكان، لا تبخسوا أي خدمة صغيرة تقدموها حقها، حتى لو كانت رابط لموقع مفيد وجدتوه خلال استعراضكم للانترنت، ولا تأخذكم الانانية وحب التملك بعيداً. لن اتحدث عن نفسي، لكنني ما زلت اتذكر العديد من الزميلات بسبب مساعدة أكاديمية تجاهلن فيها تعبهن الشخصي والوقت المهدور على من لا يشكرهن ولم يتوقفوا عن تقديمها. شراء الكتب لمن يحتاجها ولا يقدر على ذلك مثل طلبها من الخارج، أو الحصول عليها من مكتبة نوادر. تصوير الاوراق وتوفيرها، تصحيح الاخطاء التي لا يبوح الاساتذة بإجاباتها الصحيحة لسبب مجهول. ومن أراد فعل الخير سيجد سبباً.

نصيحة دراسية الآن، لا تعتمدوا كلياً على المراجع التي يقدمها الاساتذة للمادة، أو عطائهم خلال المحاضرات، في حالة تسنى لكم القراءة والاستزادة من المواضيع افعلوا ذلك. في سنة دراستي الثانية بالبكالوريوس كانت لدينا مادة AutoCad للرسم الهندسي بواسطة الكمبيوتر، وكان المحتوى الذي قدمه الدكتور مختصراً مجرد تمارين عملية كل محاضرة ننفذها وننتهي منها، بضعة وريقات كتفاصيل للبرنامج. ذهبت لمكتبة جرير واقتنيت كتاب مكلف نوعاً ما بالنسبة لمكافأة الدراسة، لكنّه كان كنز عظيم، كنت اعبث بالبرنامج في المنزل، واجرب كل الطرق الممكنة للرسم بمعادلات جديدة. استفدت لنفسي على الرغم من أنني لم احتج لتطبيق ذلك خلال الدراسة أو الاختبارات، وحصلت على درجات عالية لا تحضرني الآن. لاحقاً في السنة الرابعة والاخيرة طُرحت لنا عدة مواد اختيارية لسنة التخرج وكانت هذه المادة متوفرة ولكن بمستوى متقدم، اقبلت على اختيارها بحبور، والسبب أنني وقعت في حب دراستها بسبب اطلاعي الجانبي، درست من جديد، وحصلت على تقدير نهائي ممتاز. الشاهد من القصة وسعوا مداركم واقرؤوا القراءة إن لم تفدكم لن تنقص من عقولكم شيئاً.

هذا الحديث قريب من القلب جداً، أكتب لكم بسعادة، على طرف الكرسي من الحماس، واغبطكم لأنني أحبّ البدايات كثيراً. وددت لو أعود لتجربة هذه الأيام المدهشة من جديد. لتجربة الفوضى، والاستفهامات تطوف حول رأسي، ثم الخروج من عنق الزجاجة بسلام، وبعد عام تأمل المستجدات وهنّ يقتحمن المعركة وهكذا.

لماذا قلتُ لكم حذاء مريح؟

لأنني مررت بأسوأ تجربة يمكن أن تمر بها مستجدة في الدراسة، ولمرتين، مرة في سنة البكالوريوس الأولى، ومرة في سنة الماجستير، لكن سنة الماجستير كانت أسوأ، لأنني قطعت عليشة – فرع جامعة الملك سعود للبنات- جيئة وذهاباً لانهاء اجراءات تسجيلي. بحذاء منخفض جلدي، ملتصق بالقدم، ومطبوخ تحت الشمس، حاولت معالجة الموقف بالوقوف قليلا وانتهت كل اوراق الملاحظات في حقيبتي والتي قمت بثنيها وصنع وسائد للحماية، تمزق جلدي بشكل مرعب، ومشيت مشية غريبة. لم يكن كافياً أنني ابنة المدينة الحديدية الوادعة التي القي بها في غابة اسمها الرياض! جاء الحذاء وانتقم منّي. اليوم أحاول تذكر يومي الأول وافشل لا اذكر إلا عيناي المركزة على قدماي، واوراق الملاحظات.. فاحذروا!

منقوول

[مستشار الأمير]

معلومات رائعة

جزاكٍ الله ألف خير


يسلمووو

[Anas94]

اللهم اجزي من كتب هذا الموضوع و ناقله كل خير يا رب (=

معلومات قيمة،، ان شاء الله الجميع يستفيد منها

[جُوآن]

يعطيك العافية