| أَشْهَرُ « نُقْطَةٍ » صَنَعَتْ مَا صَنَعَتْ فِي التَّارِيخِ ! |
الأستاذُ العلامةُ الدكتورُ محمود محمد الطِّناحي المتوفى1419هـ _رحمه الله تعالى_. من كبار الأدباء والمحقِّقين المتأخرين. وله جهود وأعمال مبرورة مشكورة يعرفُ فضلَها المهتمُّون.
وفِي تراثِنا قصةً مشهورةً فيهَا العِبْرَةُ في مجالِ ضبطِ النصِّ وصيانتِه قدرَ الإمكانِ عنِ التحريفِ. وسَأذكُرُهَا مُقْتَبِساً كلامَ الأستاذ الطناحي _رحمه الله_ لما حواهُ كلامَهُ من فوائِدٍ في توثِيقِهَا والكلامِ عليهَا.
قال الأستاذ الطناحي _رحمه الله_ في مقالته «هذه النقطة.. وقضية التصحيف والتحريف» (مجلة «الهلال» سبتمبر 1995م)(1) :
رويَ أن سليمانَ بن عبدِ الملكِ بن مروانِ الخليفةِ الأموي كان غيوراً.
فقيل له: إن المخنثين قد أفسدوا النساءَ بالمدينةِ.
فكتبَ إلى أبي بكرٍ بن عمرٍو بن حزمٍ والي المدينةِ : «أَنْ أحصِ من قِبَلَك من المخنثين» يريدُ إحصاءً بأسمائِهِم.
فلما وصلَ الكتابُ إلى ابنِ حزمٍ صحَّفَ كاتِبُهُ فقرأ « أخصِ » بالخاءِ المنقوطةِ من فوق.
قال الراوي: فدعا ابنُ حزمٍ بمن عَرِفَ من المخنثِينَ -وكانوا ستةً أو سبعةً- فخصاهُمْ. قال ابنُ جُعدَبَة: فقلتُ لكاتب ابن حزم: زعموا أنه كتب إليه: أن أحصهم. فقال: يا ابن أخي، عليها والله نقطةً إن شئتُ أريتكها. وقال الأصمعي: عليها نقطة مثل سُهيل -وهو النجم المعروف-. ورُوِيَ أن أحدَ المخنثِينَ قال لما اختلفُوا في الحاءِ والخاءِ، لا أدري ما حاؤكُم وخاؤكُم، قد ذهبَت خُصانا بين الحاءِ والخاءِ. انظرْ لهذهِ القصةِ: تصحيفاتُ المحدِّثينِ لأبي أحمد العسكري 1/72 ، وشرحُ ما يقعُ فيه التصحيفُ والتحريفُ لَهُ أيضاً ص43 ، والتنبيهُ على حدوثِ التصحيفِ لحمزة بن الحسن الأصفهاني ص10 ، وتصحيحُ التصحيفِ وتحريرُ التحريفِ لصلاح الدين الصفدي ص17 ، والحيوان للجاحظ 1/121 .
ولا ينبغي التشكيكُ في هذهِ القصةِ، لأنها مرويةً بأسانيدِها، ولأن هؤلاءَ الذين خُصُوا معروفونَ بأسمائهم، ويقالُ في ترجمةِ كُلٍّ منهِم: «وهو مِمَّنْ خُصِيَ بالنقطةِ» انظر مع المراجع السابقة الأغاني لأبي الفرج 4/276 (طبعة دار الكتب المصرية).
فهذه أشهرُ نقطةٍ صَنَعَتْ ما صَنَعَتْ قَدِيماً.
انتهى كلامُ الأستاذِ الطناحي. وبالله التوفيق.
______________________________
(1) عَنْ: «مقالاتُ العلامةِ الدكتورِ محمود محمد الطناحي » طبعةُ دارِ البشائرِ الإسلاميةِ 1422هـ (ج2 :ص399).
تنبيه/ فَصَلْتُ جُمَلَ القِّصَّةِ كُلَّ واحِدَةٍ في سَطْرٍ لِتَسْهِيلِ قراءةِ النصِّ.