رد: ~| ثــــلاثــــة الاصــــــول |~
التوفيق فهو عليه الصلاة والسلام رسول إلى جميع
الثقلين وهم الإنس والجن وسموا بذلك لكثرة عددهم.
(1) أي أن دينه عليه الصلاة والسلام باق إلى يوم القيامة
فما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بين للأمة
جميع ما تحتاجه في جميع شئونها
حتى قال أبو ذر رضي الله عنه:
"ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم طائراً يقلب
جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علماً"(68)
وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه
علمكم نبيكم حتى الخراة - آداب قضاء الحاجة -
قال: "نعم لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط
أو بول أو نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار،
أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى برجيع
أو عظم"(69) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن كل الدين إما بقوله،
وإما بفعله، وإما بإقراره ابتداء أو جواباً عن سؤال
وأعظم ما بيّن عليه الصلاة والسلام التوحيد .
وبين كل ما أمر به فهو خير للأمة في معادها
ومعاشها، وكل ما نهى عنه فهو شر للأمة في معاشها
ومعادها، وما يجهله بعض الناس ويدعيه من ضيق في الأمر
والنهي فإنما ذلك لخلل البصيرة وقلة الصبر وضعف الدين
وإلا فإن القاعدة العامة أن الله لم يجعل علينا في الدين
من حرج وأن الدين كله يسر وسهولة
قال الله تعالى(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )
(البقرة: من الآية185) ،
وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)
(الحج: من الآية78)
وقال تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )
(المائدة: من الآية6)
فالحمد لله على تمام نعمته وإكمال دينه.
والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:
})إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر:30 - 31)
والناس إذا ماتوا يبعثون (2) ،
والدليل قوله تعالى : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ (3) وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ (4)
وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (5) {سورة طه، الآية: 55}
وقوله تعالى:} وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً* )
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) (1) (نوح:17 - 18)
وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم ،
والدليل قوله تعالى
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (2) {سورة النجم، الآية: 31} ؛
(1) ففي هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم
ومن أرسل إليهم ميتون وأنهم سيختصمون عند الله
يوم القيامة فيحكم بينهم بالحق ولن يجعل الله لكافرين
على المؤمنين سبيلاً.
(2) بيّن رحمه تعالى في هذه الجملة أن الناس
إذا ماتوا يبعثون ، يبعثهم الله عز وجل أحياء بعد موتهم للجزاء
وهذا هو النتيجة من إرسال الرسل أن يعمل الإنسان
لهذا اليوم يوم البعث والنشور، اليوم الذي
ذكر الله سبحانه وتعالى من أحواله وأهواله
ما يجعل القلب ينيب إلى الله عز وجل ويخشى هذا اليوم
قال الله تعالى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً *
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) (المزمل:17 - 18).
وفي هذه الجملة إشارة إلى الإيمان بالبعث واستدل الشيخ له بآيتين.
(3) أي من الأرض خلقناكم حين خلق آدم عليه الصلاة والسلام من تراب.
(4) أي بالدفن بعد الموت.
(5) أي بالبعث يوم القيامة.
(1) هذه الآية موافقة تماماً لقوله تعالى:
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً وقد أبدى الله عز وجل
وأعاد في إثبات المعاد حتى يؤمن الناس بذلك
ويزدادوا إيماناً ويعملوا لهذا اليوم العظيم
الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من العاملين له
ومن السعداء فيه.
(2) يعين أن الناس بعد البعث يجازون ويحاسبون
على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر
قال الله تبارك وتعالى(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:7 - 8)
وقال تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47)
وقال جل وعلا: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ
جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)
(الأنعام:160).
فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة
فضلاً من الله عز وجل وامتناناً منه سبحانه وتعالى
فهو جلّ وعلا قد تفضل بالعمل الصالح ،
ثم تفضل مرة أخرى بالجزاء عليه هذا الجزاء الواسع الكثير ،
أما ومن كذب بالبعث كفر ، والدليل قوله تعالى
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ
ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)(1)
{سورة التغابن ، الآية: 7}
العمل السيء فإن السيئة بمثلها لا يجازى الإنسان
بأكثر منها قال تعالى:
(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)
وهذا من كمال فضل الله وإحسانه.
ثم أستدل الشيخ لذلك بقوله تعالى
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا)(النجم: من الآية31)
ولم يقل بالسوآي كما قال : (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
(1) من كذب بالبعث فهو كافر لقوله تعالى:
(وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ *
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا
بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)
(الأنعام:30)
وقال تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ *
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ *
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ *
كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *
كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ *
ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (المطففين:10 - 17)
وقال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً)
(الفرقان:11)
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا
مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)
واستدل الشيخ رحمه الله تعالى بقوله تعالى:
} زعم الذين كفروا{ الآية.
وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي:
أولاً : أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء
والمرسلين في الكتب الإلهية ، والشرائع السماوية
وتلقته أممهم بالقبول، فيكف تنكرونه وأنتم تصدقون
بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة
وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل
ولا في شهادة الواقع ؟
ثانياً : أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه،
وذلك عن وجوه:
1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم،
وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه
وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى
كما قال الله تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )(الروم: من الآية27)
وقال تعالى:
(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)
(الأنبياء: من الآية104)
2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السموات والأرض
لكبرهما وبديع صنعتهما ، فالذي خلقهما قادر
على خلق الناس وإعادتهم بالأولى ؛
قال الله تعالى(لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)
(غافر: من الآية57)
وقال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى
بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف:33)
وقال تعالى(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ *
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس: 81- 82)
3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات،
فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت
والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى
وبعثهم ، قال الله تعالى:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا
الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى
إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت:39)
ثالثاً : أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع
بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع احياء الموتى
وقد ذكر الله تعالى من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث
منها، قوله(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ
اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً
أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ
إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا
ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
(البقرة:259)
|