رد: ~| ثــــلاثــــة الاصــــــول |~
وقال في عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم
(إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ) (الزخرف:59)والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى،
فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع .
كما قال الله تعالى: ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:105)
فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول
غيره حين كذبوه ، وعلى هذا فالنصارى
الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم
ولم يتبعوه هم مكذبون للمسيح بن مريم
غير متبعين له أيضاً ، لا سيما وأنه قد بشرهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا معنى لبشارتهم
به إلا أنه رسول إليهم ينقذهم الله به من الضلالة
ويهديهم إلى صراط مستقيم.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل:
محمد وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام
وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل
وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن
في سورة الأحزاب في قوله:
( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ
وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (الأحزاب:الآية7)
وفي سورة الشورى
في قوله (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) (الشورى:الآية13) .
وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالاً
قال الله تعالى(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ
مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْك)(غافر:الآية78)
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم،
وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل
إلى جميع الناس قال الله تعالى
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
وللإيمان بالرسل ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم برحمه الله تعالى وعنايته بعباده
حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى
ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ، لأن العقل البشري لا
يستقل بمعرفة ذلك.
الثانية: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
الثالثة: محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم
والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى
ولأنهم قاموا بعبادته ، وتبليغ رسالته ، والنصح لعباده.
وقد كذب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى
لا يكونون من البشر وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم
وأبطله بقوله
(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى
إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي
الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً) (الإسراء:94 - 95)
فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لا بد أن يكون الرسول
بشراً لأنه مرسل إلى أهل الأرض، وهم بشر ،
ولو كان أهل الأرض ملائكة لنزل الله عليهم من السماء
ملكاً رسولاً ، ليكون مثلهم ، وهكذا حكى الله تعالى
عن المكذبين للرسل أنهم
قالوا(إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا
عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ
لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (إبراهيم: 10- 11) .
واليوم الآخر،(1)
(1) اليوم الآخر: يوم القيامة الذي يبعث الناس
فيه للحساب والجزاء . وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده
حيث يستقر أهل الجنة في منازهم ، وأهل النار في منازلهم.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالبعث : وهو إحياء الموتى
حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس
لرب العالمين ، حفاة غير منتعلين ، عراة غير مستترين
غرلاً غير مختتنين ،
قال الله تعالى(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:الآية104)
والبعث : حق ثابت دل عليه الكتاب ،
والسنة ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ *
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (المؤمنون- 16)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلاً (46) متفق عليه .
وأجمع المسلمون على ثبوته ، وهو مقتضى
الحكمة حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه
الخليقة معاداً يجازيهم فيه على ما كلفهم به
على ألسنة رسله قال الله تعالى
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)
(المؤمنون:115)
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ )(القصص:الآية85)
الثاني: الإيمان بالحساب والجزاء: يحاسب العبد
على عمله ، ويجازى عليه ، وقد دل على ذلك الكتاب
والسنة ، وإجماع المسلمين ،
قال الله تعالى(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)
(الغاشية:25 - 26)
وقال(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)
(الأنعام:160)
وقال(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما-
أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال:
"إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره
فيقول : أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟
فيقول: نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه،
ورأى أنه قد هلك قال: قد سترتها عليك في الدنيا
وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته
وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على
رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم
ألا لعنة الله على الظالمين".(47) متفق عليه.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"أن من هم بحسنة فعملها ، كتبها الله
عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف
إلى أضعاف كثيرة ، وأن من هم بسيئة
فعملها كتبها الله سيئة واحدة(48).
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب
والجزاء على الأعمال ، وهو مقتضى الحكمة
فإن الله تعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل
وفرض على العباد قبول ما جاءوا به ،
والعمل بما يجب العمل به منه، وأوجب
قتال المعارضين له وأحل دماءهم ، وذرياتهم
ونسائهم ، وأموالهم. فلو لم يكن حساب
ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزه الرب الحكيم عنه
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله
(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ *
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) (الأعراف:6 - 7) .
الثالث: الإيمان بالجنة والنار، وأنهما المآل الأبدي للخلق
فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين
الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به
وقاموا بطاعة الله ورسوله ، مخلصين لله متبعين لرسوله .
فيها من أنواع النعيم مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر" . قال الله تعالى
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ *
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:7 - 8) .
وقال تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17)
وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى
للكافرين الظالمين ، الذين كفروا به وعصوا رسله
فيها من أنواع العذاب والنكال مالا يخطر على البال
قال الله تعالى(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (آل عمران:131) وقال : (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ
الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً)(الكهف:الآية29)
وقال تعالى(إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً *
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً *
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) (الأحزاب:64 - 66)
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر :
الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:
(أ) فتنة القبر: وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه،
ودينه، ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ،
فيقول: ربي الله، وديني الإسلام،
ونبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويضل الله
الظالمين فيقول الكافر هاه ، هاه ، لا أدري .
ويقول المنافق أو المرتاب لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
|