عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 15-04-2012, 06:12 AM   #4

Bella Dona

جامعي

الصورة الرمزية Bella Dona

 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
كلية: كلية الآداب والعلوم الانسانية
التخصص: دآرسسآت اسلاميه اسأل
نوع الدراسة: متخرج - انتساب
المستوى: متخرج
البلد: منطقة مكة المكرمة
الجنس: أنثى
المشاركات: 247
افتراضي رد: طلب للمره الثانيه

باب في أحكام السبق

المسابقة : هي المجاراة بين حيوان وغيره ، وكذا المسابقة بالسهام وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع :
قال الله تعالى : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألا إن القوة الرمي وقال تعالى : إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ أي : نترامى بالسهام أو نتجارى على الأقدام .
- وعن أبي هريرة مرفوعا : لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ، رواه الخمسة ؛ فالحديث دليل على جواز السباق على جُعل .
وقد حكى الإجماع على جوازه في الجملة غير واحد من أهل العلم . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " السباق بالخيل والرمي بالنبل ونحوه من آلات الحرب مما أمر الله به ورسوله مما يعين على الجهاد في سبيل الله " . وقال أيضا : " السبق والصِّراع ونحوهما طاعة إذا قصد به نصرة الإسلام ، وأخذ السبق ( أي : العوض عليه ) أخذ بالحق ، ويجوز اللعب بما قد يكون فيه مصلحة بلا مضرة ، ويكره لعبه بأرجوحة " . وقال الشيخ : " وما ألهى وشغل عما أمر الله به ، فهو منهي عنه ، وإن لم يحرم جنسه ؛ كالبيع ، والتجارة ، وأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق شرعي ؛ فكله حرام " انتهى .

وقد اعتنى العلماء بهذا الباب ، وسموه باب الفروسية ، وصنفوا فيه المصنفات المشهورة .
والفروسية أربعة أنواع :
أحدها : ركوب الخيل والكَرّ والفر بها .
والثاني : الرمي بالقوس والآلات المستعملة في كل زمان بحسبه .

والثالث : المطاعنة بالرماح .
الرابع : المداورة بالسيوف . ومن استكمل الأنواع الأربعة ؛ استكمل الفروسية .

ويجوز السباق على الأقدام وسائر الحيوانات والمراكب .
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - : " لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب ، وعلى الأقدام ، وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة ؛ لما في ذلك من التدرب على الحرب " انتهى .
وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - ، وصارع ركانة فصرعه ، وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ولا تجوز المسابقة على عوض ؛ إلا في المسابقة على الإبل والخيل والسهام ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ، رواه الخمسة عن أبي هريرة ؛ أي : لا يجوز أخذ الجُعْل على السبق إلا إذا كانت المسابقة على الإبل أو الخيل أو السهام ؛ لأن تلك من آلات الحرب المأمور بتعلمها وإحكامها ، ومفهوم الحديث أنه لا يجوز أخذ العوض عن المسابقة فيما سواها ، وقيل : إن الحديث يحتمل أن يراد به أن أحق ما بُذل فيه السبق هذه الثلاثة ؛ لكمال نفعها وعموم مصلحتها ، فيدخل فيها كل مغالبة جائزة يُنتفع بها في الدين ؛ لقصة ركانة وأبي بكر .

وقال الإمام ابن القيم : " الرهان على ما فيه ظهور الإسلام ودلالته وبراهينه من أحق الحق وأولى بالجواز من الرهان على النضال وسبق الخيل " انتهى .

ويشترط لصحة المسابقة خمسة شروط :
الشرط الأول : تعيين المركوبين في المسابقة بالرؤية .
الشرط الثاني : اتحاد المركوبين في النوع ، وتعيين الرماة ؛ لأن القصد معرفة حذقهم ومهارتهم في الرمي .
الشرط الثالث : تحديد المسافة ؛ ليعلم السابق والمصيب ، وذلك بأن يكون لابتدائها ونهايتها حد لا يختلفان فيه ؛ لأن الغرض معرفة الأسبق ، ولا يحصل إلا بالتساوي في الغاية .
الشرط الرابع : أن يكون العوض معلوما مباحا .
الشرط الخامس : الخروج عن شبه القمار، بأن يكون العوض من غير المتسابقين ، أو من أحدهما فقط ، فإن كان العوض من المتسابقين ؛ فهو محل خلاف : هل يجوز ، أو لا يجوز إلا بمحلل - وهو الدخيل الذي يكون شريكا في الربح بريئا من الخسران - ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عدم اشتراط المحلل ، وقال : " عدم المحلل أولى وأقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما ، وأبلغ في حصول مقصود كل منهما ، وهو بيان عجز الآخر ، وأكل المال بهذا أكل بحق ... " إلى أن قال : " وما علمت من الصحابة من اشترط المحلل ، وإنما هو معروف عن سعيد بن المسيب ، وعنه تلقاه الناس " انتهى .

ومما سبق يتبين أن المسابقة المباحة على نوعين :
النوع الأول : ما يترتب عليه مصلحة شرعية؛ كالتدرب على الجهاد، والتدرب على مسائل العلم ويجوز أخذ العوض عليه بشروطه السابقة .
النوع الثاني : ما كان المقصود منه اللعب الذي لا مضرة فيه .
والنوع الثاني مباح بشرط أن لا يشغل عن واجب أو يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهذا النوع لا يجوز أخذ العوض عليه ، وقد توسع الناس اليوم في هذا النوع الأخير، وأنفذوا فيه كثيرا من الأوقات والأموال ، وهو مما لا فائدة للمسلمين فيه، ولا حول لا قوة إلا بالله .

باب في أحكام العارية :

قد عرف الفقهاء - رحمهم الله - العارية بأنها إباحة نفع عين يباح الانتفاع بها وتبقى بعد استيفاء المنفعة ليردها إلى مالكها .
فخرج بهذا التعريف ما لا يباح الانتفاع به ، فلا تحل إعارته ، وخرج به أيضا ما لا يمكن الانتفاع به إلا مع تلف عينه ؛ كالأطعمة والأشربة .
والعارية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع :
قال تعالى : وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ أي : المتاع يتعاطاه الناس بينهم ، فذم الذين يمنعونه ممن يحتاج إلى استعارته ، وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى وجوب الإعارة ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إذا كان المالك غنيًّا .

- واستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة ، واستعار من صفوان بن أمية أدراعًا .

وبذل العارية للمحتاج إليها قربة ينال بها المُعير ثوابًا جزيلا ؛ لأنها تدخل في عموم التعاون على البر والتقوى .

ويشترط لصحة الإعارة أربعة شروط :

أحدها : أهلية المعير للتبرع ؛ لأن الإعارة فيها نوع من التبرع ؛ فلا تصح من صغير ولا مجنون وسفيه .

الشرط الثاني : أهلية المستعير للتبرع له ؛ بأن يصح منه القبول .

الشرط الثالث : كون نفع العين المعارة مباحا ؛ فلا تباح إعارة عبد مسلم لكافر ولا صيد ونحوه لمحرم ؛ لقوله تعالى : وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .

الشرط الرابع : كون العين المعارة مما يمكن الانتفاع به مع بقائه كما سبق .

وللمعير استرجاع العارية متى شاء إلا إذا ترتب على ذلك الإضرار بالمستعير ؛ كما لو أذن له بشغله بشيء يتضرر المستعير إذا استرجعت العارية ؛ كما لو أعاره سفينة لحمل متاعه ؛ فليس له الرجوع ما دامت في البحر ، وكما لو أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه ؛ فليس له الرجوع في الحائط ما دام عليه أطراف الخشب .

ويجب على المستعير المحافظة على العارية أشد مما يحافظ على ماله ؛ ليردها سليمة إلى صاحبها ؛ لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا فدلت الآية على وجوب رد الأمانات ، ومنها العارية ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : على اليد ما أخذت حتى تؤديه وقال - صلى الله عليه وسلم - : أد الأمانة إلى من ائتمنك فدلت هذه النصوص على وجوب المحافظة على ما يؤتمن عليه الإنسان وعلى وجوب رده إلى صاحبه سالما ، وتدخل في هذا العموم العارية ؛ لأن المستعير مؤتمن عليها ؛ ومطلوبة منه ، وهو إنما أبيح له الانتفاع بها في حدود ما جرى به العرف ؛ فلا يجوز له أن يسرف في استعمالها إسرافا يؤدي إلى تلفها ، ولا أن يستعملها فيما لا يصلح استعمالها فيه ؛ لأن صاحبها لم يأذن له بذلك ، وقد قال الله تعالى : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ .

فإن استعملها في غير ما استعيرت له فتلفت ؛ وجب عليه ضمانها ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : على اليد ما أخذت حتى تؤديه ، رواه الخمسة ، وصححه الحاكم ؛ فدل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره ، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه .

وإن تلفت في انتفاع بها بالمعروف ؛ لم يضمنها المستعير ؛ لأن المعير قد أذن له في هذا الاستعمال ، وما ترتب على المأذون ؛ فهو غير مضمون .
ولا يجوز للمستعير أن يعير العين المعارة ؛ لأن من أبيح له شيء ؛ لم يجز له أن يبيحه لغيره ؛ ولأن في ذلك تعريضا لها للتلف .
هذا ؛ وقد اختلف العلماء في ضمان المستعير للعارية إذا تلفت في يده في غير ما استعيرت له ، فذهب جماعة إلى وجوب ضمانها عليه سواء تعدى أو لم يتعد ؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : على اليد ما أخذت حتى تؤديه وذلك مثل ما لو ماتت الدابة أو احترق الثوب أو سرقت العين المعارة ، وذهب جماعة آخرون إلى عدم ضمانها إذا لم يتعد ؛ لأنها لا تضمن إلا بالتعدي عليها ، ولعل هذا القول هو الراجح ؛ لأن المستعير قبضها بإذن مالكها ، فكانت أمانة عنده كالوديعة .
على أنه يجب على المستعير المحافظة على العارية والاهتمام بها والمسارعة إلى ردها إلى صاحبها إذا انتهت مهمته منها ، وأن لا يتساهل بشأنها ، أو يعرضها للتلف ؛ لأنها أمانة عنده ؛ ولأن صاحبها أحسن إليه ، و هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ؟

باب في أحكام الغصب

الغصب لغة : أخذ الشيء ظلما ، ومعناه في اصطلاح الفقهاء : الاستيلاء على حق غيره قهرا بغير حق .
والغصب محرم بإجماع المسلمين ؛ لقوله تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ والغصب من أعظم أكل المال بالباطل ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وقال - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه .

والمال المغصوب قد يكون عقارا وقد يكون منقولا ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من اقتطع شبرا من الأرض ظلما ؛ طوقه من سبع أرضين .

فيلزم الغاصب أن يتوب إلى الله عز وجل ، ويرد المغصوب إلى صاحبه ، ويطلب منه العفو ؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : من كانت عنده لأخيه مظلمة ؛ فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ( يعني : يوم القيامة ) : إن كانت له حسنات ؛ أخذ من حسناته وأعطيت للمظلوم ، وإن لم تكن له حسنات ؛ أخذ من سيئات المظلوم ، فطرحت عليه ، وطرح في النار أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، فإن كان المغصوب باقيا ؛ رده بحاله ، وإن كان تالفا ؛ رد بدله .
قال الإمام الموفق : " أجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير " انتهى .
وكذلك يلزمه رد المغصوب بزيادته ، سواء كانت متصلة أو منفصلة ؛ لأنها نماء المغصوب ؛ فهي لمالكه كالأصل
وإن كان الغاصب قد بنى في الأرض المغصوبة أو غرس فيها ؛ لزمه قلع البناء والغراس إذا طالبه المالك بذلك ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس لعرق ظالم حق ، رواه الترمذي وغيره وحسنه ، وإن كان ذلك يؤثر على الأرض ؛ لزمه غرامة نقصها ، ويلزمه أيضا إزالة آثار الغراس والبناء المتبقية حتى يسلم الأرض لمالكها سليمة. ويلزمه أيضا دفع أجرتها منذ أن غصبها إلى أن سلمها ؛ أي : أجرة مثلها ؛ لأنه منع صاحبها من الانتفاع بها في هذه المدة بغير حق .
وإن غصب شيئا وحبسه حتى رخص سعره ضمن نقصه على الصحيح .
وإن خلط المغصوب مع غيره مما يتميز - كحنطة بشعير - ؛ لزم الغاصب تخليصه ورده ، وإن خلطه بما لا يتميز - كما لو خلط حنطة بمثلها - لزمه رد مثله كيلا أو وزنا من غير المخلوط ، وإن خلطه بدونه أو أحسن منه أو خلطه بغير جنسه مما لا يتميز ؛ بيع المخلوط ، وأعطي كل منهما قدر حصته من الثمن ، وإن نقص المغصوب في هذه الصورة عن قيمته منفردا ؛ ضمن الغاصب نقصه .

ومما ذكروه في هذا الباب قولهم : " والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان " : ومعناه أن الأيدي التي ينتقل إليها المغصوب عن طريق الغاصب كلها تضمن المغصوب إذا تلف فيها ، وهذه الأيدي عشر : يد المشتري وما في معناه ، ويد المستأجر ، ويد القابض تملكا بلا عوض كيد المتهب ، ويد القابض لمصلحة الدافع كالوكيل ، ويد المستعير ، ويد الغاصب ، ويد المتصرف في المال كالمضارب ، ويد المتزوج للمغصوبة ، ويد القابض تعويضا بغير بيع ، ويد المتلف للمغصوب نيابة عن غاصبه ، وفي كل هذه الصور : إذا علم الثاني بحقيقة الحال ، وأن الدافع إليه غاصب ؛ فقرار الضمان عليه ؛ لتعديه على ما يعلمه غير مأذون فيه من مالكه ، وإن لم يعلم بحقيقة الحال ؛ فالضمان على الغاصب الأول .

وإذا كان المغصوب مما جرت العادة بتأجيره ؛ لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده ؛ لأن المنافع مال متقوَّم ، فوجب ضمانها كضمان العين .

وكل تصرفات الغاصب الحكمية باطلة ؛ لعدم إذن المالك .

وإن غصب شيئا ، وجهل صاحبه ، ولم يتمكن من رده إليه ؛ سلمه إلى الحاكم الذي يضعه في موضعه الصحيح ، أو تصدق به عن صاحبه ، وإذا تصدق به ؛ صار ثوابه لصاحبه ، وتخلص منه الغاصب .

وليس اغتصاب الأموال مقصورا على الاستيلاء عليها بالقوة ، بل ذلك يشمل الاستيلاء عليها بطريق الخصومة الباطلة والأيمان الفاجرة :

قال الله تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فالأمر شديد والحساب عسير .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : من غصب شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : من قضيت له بحق أخيه ؛ فلا يأخذه ؛ فإنما أقطع له قطعة من نار .

باب في أحكام الوديعة

الإيداع : توكيل في الحفظ تبرعا .
والوديعة لغة : من ودع الشيء إذا تركه ، سميت بذلك لأنها متروكة عند المودع .
وهي شرعا : اسم للمال المودع عند من يحفظه بلا عوض .

و يشترط لصحة الإيداع ما يعتبر للتوكيل من البلوغ والعقل والرشد ؛ لأن الإيداع توكيل في الحفظ .

ويستحب قبول الوديعة لمن علم من نفسه أنه ثقة قادر على حفظها ؛ لأن في ذلك ثوابا جزيلا ؛ لما في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ولحاجة الناس إلى ذلك ، أما من لا يعلم من نفسه القدرة على حفظها ؛ فيكره له قبولها .

ومن أحكام الوديعة أنها إذا تلفت عند المودع ولم يفرط ، فإنه لا يضمنها ، كما لو تلفت من بين ماله ؛ لأنها أمانة ، والأمين لا يضمن إذا لم يتعد ، وورد في حديث فيه ضعف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أودع وديعة ؛ فلا ضمان عليه ، رواه ابن ماجه ، والمُغِل : الخائن ، وفي رواية بلفظ : لا ضمان على مؤتمن ولأن المستودع يحفظها تبرعا ، فلو ضمن ؛ لامتنع الناس من قبول الودائع ، فيترتب على ذلك الضرر بالناس وتعطل المصلحة .

أما المعتدي على الوديعة أو المفرط في حفظها ؛ فإنه يضمنها إذا تلفت ؛ لأنه متلف لمال غيره .

ومن أحكام الوديعة أنه يجب على المودع حفظها في حرز مثلها كما يحفظ ماله ؛ لأن الله تعالى أمر بأدائها في قوله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ولا يمكن أداؤها إلا بحفظها ؛ ولأن المودع حينما قبل الوديعة ؛ فقد التزم بحفظها ، فيلزمه ما التزم به .

وإذا كانت الوديعة دابة ؛ لزم المودع إعلافها ، فلو قطع العلف عنها بغير أمر صاحبها ، فتلفت ؛ ضمنها ؛ لأن إعلاف الدابة مأمور به ، ومع كونه يضمنها ؛ فإنه يأثم أيضا بتركه إعلافها أو سقيها حتى ماتت ؛ لأنه يجب عليه علفها وسقيها لحق الله تعالى ؛ لأن لها حرمة .

ويجوز للمودع أن يدفع الوديعة إلى من يحفظ ماله عادة ؛ كزوجته وعبده وخازنه وخادمه ، وإن تلفت عند أحد من هؤلاء من غير تعد ولا تفريط ؛ لم يضمن ؛ لأن له أن يتولى حفظها بنفسه أو من يقوم مقامه ، وكذا لو دفعها إلى من يحفظ مال صاحبها ، برئ منها ؛ لجريان العادة بذلك .

أما لو سلمها إلى أجنبي منه ومن صاحبها ، فتلفت ؛ ضمنها المودع ؛ لأنه ليس له أن يودعها عند غيره من غير عذر ، إلا إذا كان إيداعها عند الأجنبي لعذر اضطره إلى ذلك ؛ كما لو حضره الموت أو أراد سفرا ويخاف عليها إذا أخذها معه ؛ فلا حرج عليه في ذلك ، ولا يضمن إذا تلفت .

وإن حصل خوف ، أو أراد المودع أن يسافر ؛ فإنه يجب عليه رد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله ، فإن لم يجد صاحبها ولا وكيله ؛ فإنه يحملها معه في السفر إذا كان ذلك أحفظ لها ، فإن لم يكن السفر أحفظ لها ؛ دفعها إلى الحاكم ؛ لأن الحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته ، فإن لم يمكن إيداعها عند الحاكم ؛ أودعها عند ثقة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يهاجر ؛ أودع الودائع التي كانت عنده لأم أيمن - رضي الله عنها - ، وأمر عليا أن يردها إلى أهلها ، وكذا من حضره الموت وعنده ودائع للناس ؛ فإنه يجب عليه ردها إلى أصحابها ، فإن لم يجدهم ؛ أودعها عند الحاكم أو عند ثقة .

والتعدي على الوديعة يوجب ضمانها إذا تلفت ، كما لو أودع دابة فركبها لغير علفها أو سقيها ، أو أودع ثوبا فلبسه لغير خوف من عث ، وكما لو أودع دراهم في حرز فأخرجها من حرزها ، أو كانت مشدودة فأزال الشد عنها ؛ فإنه يضمن الوديعة إذا تلفت في هذه الحالات ؛ لأنه قد تعدى بتصرفه هذا .

والمودع أمين يُقبل قوله إذا ادعى أنه ردها إلى صاحبها أو من يقوم مقامه ، ويقبل قوله أيضا إذا ادعى أنها تلفت من غير تفريطه مع يمينه ؛ لأنه أمين ؛ لأن الله - تعالى - سماها أمانة بقوله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا والأصل براءته إذا لم تقم قرينة على كذبه ، وكذا لو ادعى تلفها بحادث ظاهر كالحريق ؛ فإنه لا يقبل قوله إلا إذا أقام بينة على وجود ذلك الحادث .

ولو طلب منه صاحب الوديعة ردها إليه ، فتأخر من غير عذر حتى تلفت ؛ ضمنها ؛ لأنه فعل محرما بإمساكها بعد طلب صاحبها لها ، والله أعلم .

كتاب إحياء الموات وتملك المباحات

باب في أحكام إحياء الموات
الموات: هو ما لا روح فيه ، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها .

ويعرفه الفقهاء - رحمهم الله - بأنه الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم .

فيخرج بهذا التعريف شيئان :

الأول : ما جرى عليه ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها .

الثاني : ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم ؛ كالطرق ، والأفنية ، ومسيل المياه ، أو تعلقت به مصالح العامر من البلد ؛ كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي ؛ فكل ذلك لا يملك بالإحياء .

فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه وأحياها شخص ملكها لحديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعا : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، رواه أحمد والترمذي وصححه ، وورد بمعناه أحاديث ، وبعضها في " صحيح البخاري " .

وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يُمْلَك بالإحياء ، وإن اختلفوا في شروطه ؛ إلا موات الحرم وعرفات ؛ فلا يملك بالإحياء ؛ لما فيه من التضييق في أداء المناسك ، واستيلائه على محل الناس فيه سواء .

ويحصل إحياء الموات بأمور :
الأول : إذا أحاطه بحائط منيع مما جرت العادة به فقد أحياه ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحاط حائطا على أرض فهي له ، رواه أحمد وأبو داود عن جابر ، وصححه ابن الجارود ، وعن سمرة مثله ، وهو يدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها ، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا في اللغة ، أما لو أدار حول الموت أحجارا ونحوها كتراب أو جدار صغير لا يمنع ما وراءه أو حفر حولها خندقا فإنه لا يملكه بذلك ، لكن يكون أحق بإحيائه من غيره ، ولا يجوز له بيعه إلا بإحيائه .

الثاني : إذا حفر في الأرض الموات بئرا فوصل إلى مائها فقد أحياها ، فإن حفر البئر ولم يصل إلى الماء لم يملكها بذلك وإنما يكون أحق بإحيائها من غيره ؛ لأنه شرع في إحيائها .

الثالث : إذا أوصل إلى الأرض الموات ماء أجراه من عين أو نهر ؛ فقد أحياها بذلك ؛ لأن نفع الماء للأرض أكثر من الحائط .

الرابع : إذا حبس عن الأرض الموات الماء الذي كان يغمرها ولا تصلح معه للزراعة ، فحبسه عنها حتى أصبحت صالحة لذلك فقد أحياها ؛ لأن نفع الأرض بذلك أكثر من نفع الحائط الذي ورد في الدليل أنه يملكها بإقامته عليها .

ومن العلماء من يرى أن إحياء الموات لا يقف عند هذه الأمور بل يرجع فيه إلى العرف ، فما عده الناس إحياء فإنه يملك به الأرض الموات ، واختار ذلك جمع من أئمة الحنابلة وغيرهم ؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه ، فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف .

ولإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث العقيق ، وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت ، وأقطع عمر وعثمان وجمعا من الصحابة لكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه ، بل يكون أحق به من غيره ، فإن أحياه ملكه ، وإن عجز عن إحيائه فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه ؛ لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استرجع الإقطاعات من الذين عجزوا عن إحيائها .

ومن سبق إلى مباح غير الأرض الموات كالصيد والحطب فهو أحق به.

وإذا كان يمر بأملاك الناس ماء مباح ( أي : غير مملوك ) كماء النهر وماء الوادي ؛ فللأعلى أن يسقي منه ويحبس الماء إلى الكعب ثم يرسله للأسفل ممن يليه ، ويفعل الذي يليه كذلك ثم يرسله لمن بعده ... وهكذا ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : اسق يا زبير ! ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر متفق عليه ، أما إن كان الماء مملوكا ؛ فإنه يقسم بين الملاك بقدر أملاكهم ، ويتصرف كل واحد في حصته بما شاء .

ولإمام المسلمين أن يحمي مرعى لمواشي بيت مال المسلمين كخيل الجهاد وإبل الصدقة ما لم يضرهم بالتضييق عليهم ؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع لخيل المسلمين ؛ فيجوز للإمام أن يحمي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين ونعم الجزية والضوال إذا احتاج إلى ذلك ولم يضيق على المسلمين .

باب في أحكام الجعالة

وتسمى الجُعل والجعيلة أيضا ، وهي ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله ؛ كأن يقول : من فعل كذا فله كذا من المال ؛ بأن يجعل شيئا معلوما من المال لمن يعمل له عملا معلوما كبناء حائط .

ودليل جواز ذلك قوله تعالى : وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي : لمن دل على سارق صواع الملك حمل بعير ، وهذا جعل ، فدلت الآية على جواز الجعالة .

ودليلها من السنة حديث اللديغ ، وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي سعيد ؛ أنهم نزلوا على حي من أحياء العرب ، فاستضافوهم فأبوا ، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فأتوهم ، فقالوا : هل عند أحد منكم من شيء ؟ قال بعضهم : إني والله لأرقي ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا بِرَاقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلا . فصالحوهم على قطيع من غنم ، فانطلق ينفث عليه ويقرأ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فكأنما نشط من عقال ، فأوفوهم جُعْلهم ، وقدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكروا ذلك له ، فقال : أصبتم ، اقتسموا واجعلوا لي معكم سهما .

فمن عمل العمل الذي جُعلت عليه الجُعالة بعد علمه بها استحق الجعل ؛ لأن العقد استقر بتمام العمل ، وإن قام بالعمل جماعة اقتسموا الجعل الذي عليه بالسوية ؛ لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا في العوض ، فإن عمل العمل قبل علمه بما جعل عليه لم يستحق شيئا ؛ لأنه عمل غير مأذون فيه ، فلم يستحق به عوضا ، وإن علم بالجعل في أثناء العمل أخذ من الجعل ما عمله بعد العلم .

والجعالة عقد ، جائز لكل من الطرفين فسخها ، فإن كان الفسخ من العامل لم يستحق شيئا من الجعل ؛ لأنه أسقط حق نفسه ، وإن كان الفسخ من الجاعل وكان قبل الشروع في العمل ؛ فللعامل أجرة مثل عمله ؛ لأنه عمله بعوض لم يسلم له .

والجعالة تخالف الإجارة في مسائل :

- منها : أن الجعالة لا يشترط لصحتها العلم بالعمل المجاعل عليه ، بخلاف الإجارة ؛ فإنها يشترط فيها أن يكون العمل المؤاجر عليه معلوما .

- ومنها : أن الجعالة لا يشترط فيها معرفة مدة العمل ، بخلاف الإجارة ؛ فإنها يشترط فيها أن تكون مدة العمل معلومة .

- ومنها : أن الجعالة يجوز فيها الجمع بين العمل والمدة ، كأن يقول : من خاط هذا الثوب في يوم فله كذا ، فإن خاطه في اليوم استحق الجعل وإلا فلا ، بخلاف الإجارة ؛ فإنها لا يصح فيها الجمع بين العمل والمدة .

- ومنها : أن العامل في الجُعالة لم يلتزم العمل ، بخلاف الإجارة ؛ فإن العامل فيها قد التزم بالعمل .

- ومنها : أن الجعالة لا يشترط فيها تعيين العامل ، بخلاف الإجارة ؛ فإنها يشترط فيها ذلك .

- ومنها : أن الجعالة عقد جائز لكل من الطرفين فسخها بدون إذن الآخر ، بخلاف الإجارة ؛ فإنها عقد لازم ، لا يجوز لأحد الطرفين فسخها إلا برضى الآخر .

وقد ذكر الفقهاء - رحمهم الله - أن من عمل لغيره عملا بعير جُعل ولا إذن من صاحب العمل لم يستحق شيئا ؛ لأنه بذل منفعة من غير عوض فلم يستحقه ، ولأنه لا يلزم الإنسان شيء لم يلتزمه ، إلا أنه يستثنى من ذلك شيئان:
الأول : إذا كان العامل قد أعد نفسه للعمل بالأجرة كالدلال والحمال ونحوهما ؛ فإنه إذا عمل عملا بإذن يستحق الأجرة ؛ لدلالة العرف على ذلك ، ومن لم يعد نفسه للعمل لم يستحق شيئا ، ولو أذن له إلا بشرط .

الثاني : من قام بتخليص متاع غيره من هلكة كإخراجه من البحر أو الحرق أو وجده في مهلكة يذهب لو تركه فله أجرة المثل وإن لم يأذن له ربه ؛ لأنه يخشى هلاكه وتلفه على صاحبه ، ولأن في دفع الأجرة ترغيبا في مثل هذا العمل ، وهو إنقاذ الأموال من الهلكة .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " من استنقذ مال غيره من الهلكة ورده استحق أجرة المثل ولو بغير شرط في أصح القولين ، وهو منصوص أحمد وغيره " .

وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - : " فمن عمل في مال غيره عملا بغير إذنه ليتوصل بذلك العمل إلى غيره أو فعله حفظا لمال المالك وإحرازا له من الضياع ، فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله ، وقد نص عليه أحمد في عدة مواضع " انتهى .

 

Bella Dona غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس