رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...
كنت .. ولا أزال .. وسأظل
كموج البحر
بين مد وجزر
أعيش حياتي بتفاصيلها
التجارب والخبرات
علمتني الكثير
.
.
مرت علي أسبوعن وأنا في السجن المؤقت .. أنتظر حكم المحكمة
وكنت في تلك الأيام لا أزال أخطو خطواتي الألى
نحو اكتشاف ذاتي
والتعرف على أعماقي
.
.
في النهار أجلس مع المساجين أمثالي .. وأستمع لحكاياتهم
وأنظر اليها بعين من يريد أن يتخلص منها
الدروس والعبر
فتعلمت
.
.
أما اذا
أتي المساء
وبدأ الجميع في التمدد على أرضية الزنزانه
فاني أنزوي في قوقعتي كما يقول جاسر
حيث تلك الزاوية التي ورثتها من
أبو ناصر
.
.
أبدأ في حالة سكون عميق
حتى تهدأ جوارحي
وأكاد أسمع أنفاسي
وهي تدخل وتخرج
عبر حنجرتي
المسكونة بالألم
.
.
أتوشح بالحسرة
ولا أكاد أشعر بما حولي
رغم الروائح الكريهة .. والشخير
.
.
وشيئا فشيئا
أجدني في منطقة
على حدود الحلم
وفوق الخيال
ودون المستحيل
.
.
منطقة بين الوعي واللاوعي
.
.
وهناك أبدأ في التحليق في سماء الماضي
وأجتر الذكريات وأراجع دروس الحياة
كثيرة هي الجراحات التي مررت بها
كثيرة هي أخطائي وزلاتي
كثيرة هي تجاوزاتي في الحياة
.
.
وعند كل ذكرى
أتوقف
لأستخلص العبر والدروس
وأتفكر
ماذا كان سيحدث لو كنت فعلت كذا
أو لولم أفعل كذا
.
.
أحيانا أتعجب
من بعض الفرص التي
لم أراها الا بعد أن تجاوزتها
.
.
وبعضها كانت قريبة مني ..
ولكن كان أختياري خطأ ..
.
.
بقيت أسبوعين في زنزانتي مع قرابة 35 سجين
لكل منهم حكابتة
ولكني لم أكن لأجروء على الحديث مع أي أحد
وأكتفيت بالحديث مع أبوناصر
والرجل العظيم والقدوة الذي لايقرأ ولا يكتب
جاسر
.
.
وبعد أسبوعين
وفي صبيحة اليوم الرابع عشر لي في التوقيف ( السجن المؤقت )
سمعت العسكري ينادي باسمي
فرحت كثيرا
فقط لأني سمعت أحدا ينادين باسمي
الذي اشتقت له
( تثدقون أني خلال 14 يوم لم أسمع أحدا ينادي باسمي .. كانوا ينادوني بـ ياهيه .. يا أنت .. يادوسري .. )
المهم ذهبت الى الباب لأجد العسكري ومعه أوراق
ونادى باسمي مع 6 أشخاص آخرين
وخرجنا من الزنزانة ونحن نتهلل فرحا
وعند الباب
ربطوا أرجلنا وأيدينا بسلاسل
مربوطه في بعضها البعض
.
.
وسرنا خلف العسكري بخطوات متعثرة
لنركب الباص الأسود
ذو السبوك الحديدية على النوافذ
.
.
وسارت بنا السيارة ، لندخل مبنى آخر
وندخل غرفة ضيقة لا نستطيع الجلوس بها
.
.
بقينا واقفين
وأخذونا واحدا واحدا
ليتم أخذ بصماتنا ..
وتصويرنا
.
.
ومن ثم تم اقتيادنا الى
السجن الكبير
.
.
تصدقون رغم أننا سننتقل من سجن الى سجن آخر
الا أني كنت أشعر بالسعادة تتسلل الى أعماقي
تدغدغ مشاعري
.
.
ليس الا لأني شعرت أني انسان
وأن الحياة تتحرك بي
بعد 14 يوم من السكون
بلا حركة ولا أي نشاط
.
.
شعرت بطعم الحياة من حولي
وأنا أنظر من نافذة الباص الأسود
شعرت بأن لكل شيء خارج
الزنزانة طعم آخر
حتى السيارات في الشارع
أشجار النخل على أطراف الطريق
العمال وهم يعبرون بحيرة
من طرف الشارع الى طرفه الآخر
.
.
تصدقون لقد غبطت عامل النظافة
وهو واقف في الشمس
يحمل مكنسته
وينظف الشارع
.
.
لأنه يتمتع بالحرية
.
.
أخذت أحدق في الحياة خلف النافذة
هل تصدقون ماذا قلت لنفسي في تلك اللحظة
ولا زلت أذكرها
.
.
قلت سيأتي يوم ، ويصبح كل شيء ذكرى
وقد أكتب مذكراتي خلف القضبان كما فعل
كثير من العظماء
سيد قطب - غاندي - مانديلا ..
.
.
ابتسمت وأغرورقت عيناي بالدمع
وأنا أقول
متى سيأتي ذلك اليوم
.
.
وصلنا أخيرا الى السجن الكبير
ليتم انزالنا عند البوابة الكبيرة
حيث العساكر .. والحراسات المشددة
وتم تفتيشنا بدقة
تفتيش انفرادي
وجردونا من كل شيء
.
.
لندخل بملابسنا التي علينا فقط

|