رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...
هل جربتم أن تعيشون حالة انفصال
وتعيشون خارج حدود الزمان والمكان
.
.
أن تكونون في مكان آخر .. غير المكان الذي أنتم فيه
وزمان آخر .. مختلف عن هذا الزمان
.
.
كانذ هذا هو احساسي وأنا أجلس
في زوايا السجن .. شبه المظلم
حيث كان المكان يفتقد لأبسط الامكانات
من نظافة واضاءه .. وتهوية
كانت رائحة الناس هنا
وضجيج أصواتهم
يحاصرني ..
.
.
ولكن عندما قررت أن أفكر
في أني هنا لخوض غمار تجربة مختلفة
لأتعلم .. لأطبق ما تعلمته
شعرت بالمتعة
وشعرت بقوة في داخلي
.
.
كنت أفكر من حين الى آخر
وأتخيل .. بعد خروجي سأكون
قد أمتلكت حصيلة زاخرة من التجارب
.
.
وها أنا اليوم منفصلا عن العالم
وأجلس أستمع .. وأشعر .. وأرى
جاسر .. ذلك الشاب القوي الشخصية
الجذاب لكل من حوله بأسلوبه المرح / الجاد
في ذات الوقت.
عميق الحكمة .. مبتسم .. مستهزئ
محترم ..
كلها .. صفات جاسر.
.
.
ولازال يحدثني عن أول يوم له في الوظيفة
ويقول
بدأت مع نظام الدين أول أيامي
وطلب مني آخذ مكنسة وأنظف البقالة
وأرتب كراتين البضاعة .. وأصف العصيرات في الثلاجة
وكنت متحمس مررررة
وشلت المكنسة وأنا مبسوووط
ونظفت المحل .. وسويت كل ما يطلبه
مني رئيسي المباشر ( ويضحك جاسر بصوت عالي )
وأثناء العمل كنت أتابع البيع
وأشوف الزباين
وأحفظ أسعار الأشياء
.
.
وفي نهاية اليوم .. رجعت طيراااان ( تعبير عن السرعة )
للبيت .. وأنا أجري راجع للبيت حسيت اني أمتلك العالم
وجالس أفكر بيني وبين نفسي في الكلام الذي سأقوله لأمي
وأتوقع وش راح تقول
وأكيد راح تفرح مررررة ..
طبعا أنا جااااااسر والرزق على الله
عمري ثمان سنوات ونصف
الأولاد في المدارس في الصباح
ويلعبون في الشوارع بعد الظهر
وأنا رجاااال .. ماعندي وقت للعب والخرابيط الفاضية
.
.
وصلت البيت وفتحت الباب .. وألاقي أمي جالسه
عند الباب .. تنتظرني
لم أتكلم .. ولم تتكلم
فتحنا ذراعينا
وألقيت برأسي على صدرها
وضمتني بقوة
بكيت .. ونسيت الكلام اللي كنت سأقوله لها
نسيت كل شيء .. وبكينا
.
.
قالت .. يمه ياجاسر
أول يوم تغيب عني ذا الوقت كله
وراحت تضرب بيدها على ظهري
ضربا خيفيف .. وكأنه عتاب لي
.
.
رفعت رأسي والدموع مغطيه على عيوني
وقلت بصوت مشوش
( يمه كنت في الشغل )
.
.
وكانت لها ابتسامه ونور .. يهز قلبي
يملك علي أحاسيسي .. يروي قلبي
العطشان للحب والحنان
كانت أمي هي كل الناس
فلا أعرف أب ولا أخوال .. ولا أصحاب
كانت أمي .. هي مملكتي كلها
.
.
جلسنا بعد طول عناق
نتكلم طويلا .. وأقول لها
خلاص يمه لا عاد تتعبين نفسك في الخياطه
ألحين صار عندي وظيفه .. وراتب
وأنا رجال البيت والمسئول عن المصاريف
.
.
ابتسمت أمي .. وأغمضت عيونها
وأسندت رأسها على الجدار
قالت " الله يحفظك .. الله يحفك .. الله يحفظك ياجاسر "
.
.
تأخرت مانمت تلك الليلة
وأنا أفكر وش راح أسوي بالراتب
فكرت أشتري ذهب لأمي
وفكرت في ملابس
وفكرت في ساعة
.
.
ونمت .. واليوم الثاني
صحيت مع أذان الفجر
وتوضيت .. وصحيت أمي
وبعد الفجر رحت البقالة لقيتها مسكرة
( ما يفتحون الا بعد الساعة 8 )
رجعت للبيت .. وجلست مع أمي
وأفطرنا .. وسألتني
كم راتبك يمه
قلت والله ما أدري بس اليوم بسأل
.
.
المهم مرت أيام .. وتعلمت الشغل
وسافر نظام الدين .. وصرت أنا مدير البقالة
( وكعادته جاسر .. يضحك بصوت عالي )
.
.
وكنت أبيع على الزبائي وأجمع الفلوس
وأعدها .. وآخر النهار يجي عمي راعي البقالة
وأحاسبه .. وتعلمت كيف نجرد البقالة آخر الشهر
ونعرف وش اللي أنباع .. وكم الربح
.
.
وكان راتبي 500 ريال
.
.
ومرت عشر سنين وأنا في البقالة
حتى انهم في الحارة صاروا يسمونها بقالة جاسر
وفعلت فيها خدمة التوصيل المجاني لجيراني
.
.
ايه نسيت أقول لك وش سويت بأول راتب
أشتريت سيكل من ولد جيراننا بخمسة وسبعين ريال
والباقي أعطيته أم جاسر
.
.
كبرت أمي وتعبت
وكنت قد أشتريت سيارة
وتركت البقالة
وصرت أوصل مشاوير
( تكسي يعني )
.
.
وكل يوم ألفلف في الشوارع
وأوصل مشاوير .. ومرات أوصل أولاد مدارس ..
وأحيانا معلمات
.
.
وصار لي عملاء خاصين
يتصلون بي .. وأنا أوصلهم مشاوير
وكان دخلي قد أرتفع الى 200 ريال في اليوم
يعني آخر الشهر 5000 الى 6000 ريال
وبعد مانخصم مصاريف السيارة
( زيت وبنزيم )
يبقى لي 4000 ريال تقريبا
.
.
في هذي الفترة كنت أصارع
نفسي .. وأصارع رغبة داخلية
للانفلات .. تعرف شباب
ومعي سيارة .. وفلوس تجري في أيدي
.
.
لكن كنت دائما أتذكر أمي .. وكلماتها
ودعواتها .. وابتسامتها ..
فأتراجع .. وأستمر في شغلي
.
.
وسكت جاسر طويلا
وقال
في يوم .. اتصلت بي وحده
وقالت أحتاج مشوار
ورحت لها
ووصلتها مشوارها
وأعطتني 50 ريال
ورديت أربعين ريال
قالت لا .. خلي الباقي هدية لك
وأصرت علي
وخليت الباقي معي
.
.
قالت .. خلي جوالك مفتوح ..
لأني اذا أحتجت مشوار ما أعرف الا أنت
قلت طيب
.
.
وفعلا .. كل يوم مشوار .. وكل يوم خمسين
وزاد الدخل .. وبديت أدلع أم جاسر
أثاث جديد .. وبوية .. وحركات ديكور
.
.
وفي يوم تفاجأت بهذي المرأة
تقول وديني أنا وأولادي للاستراحة
وكنت أعرف استراحتهم
لأني قد وصلتها لها أكثر من مرة
.
.
واتصلت على زوجها وهي معي في السيارة
قالت باروح أنا والأولاد للاستراحة
.
.
ولما نزلوا .. قالت أنزل
قلت لا .. اذا خلصتوا اتصلي بي
قالت لا .. انزل .. وخليك مع العيال في قسم الرجال
عشان ودهم يسبحون
وأنا في قسم النساء
.
.
ترددت .. وبعدين قلبي ما أرتاح لأسلوبها
قلت لا .. الحين تذكرت لازم أرجع عندي مشواااار مرررة مهم
.
.
حاولت .. وبعدين قالت طيب
.
.
رجعت بالسيارة
وعقلي يقول لي
هذي الحرمة في راسها شر
.
.
والشيطان يقول .. وش فيها لو
جلست .. وسبحت مع العيال
.
.
أرجع .. لا لا لا
أرجع .. لا ..
.
.
ورحت للبيت وكان قلبي مقبوض
والدم بيفجر عروقي
حتى أمي قالت وش فيك
ياجاسر .. وجهك أسود ذا اليوم
ما هو بالعادة
.
.
قلت برد سريع
مافيه شي.
.
.
وكانت نظرة أمي هذي المرة .. حادة
قالت " جاااااسر .. الله يحفظك ياجاسر "
حسيت أن امي تعرف شي
حسيت ان نظراتها وصلت لقلبي
وعقلي وقرأت اللي فيه
ماقدرت أناظر وجه أمي
.
.
وهي ساكته .. وتناظرني
وأنا أصد يمين وشمال .. وأسوي نفسي مشغول
.
.
|