رد: ( 6 ) أشــــــهـــر في الســـجـــــــــن...
الحلقة الأولى
مقدمة لا بد منها
المخزون المعرفي .. لا يكفي الانسان للتغيير، لا بد له من تجربة ذاتيه أو ( يعيش اسطورته الذاتيه ) كما يقول باولو كويلهو في روايته الرائعة ساحر الصحراء.
كنت أتمتع بمخزون معرفي لابأس به . حاصل على شهادة الماجستير في الهندسة الكيميائية ، وحاصل على الدكتوراه في علم النفس التربوي ، ومدرب معتمد في البرمجة والتنويم وخط الزمن والعادات السبع ... و .. و .. وأملك شركة ( أكاديمية مهارات المستقبل للتدريب والتطوير ) ولعلكم تجدون بقايا منها عند البحث في Googel ...
ولكن صدقوني كل هذا يبقى كلام .. معلومات جوفاء قد نرددها وتتناقلها على صفحات الانترنت ، ونلقي بها بأسلوبنا التدريبي على مسامع المتدربين لينبهروا بالتقنيات والكلمات الرنانة لأنهم يبحثون عن من يتلمس معاناتهم ويرسم لهم الطريقة السحرية للتخلص من تلك المعاناة.
ولكن عندما نعيش في قلب المشكلة ونشعر بمشاعرها .. هل تعتقدون بأننا سنقول نفس ماقلناه ونحن خارج المشكلة !! لا أعتقد .
كانت البداية عندما كنت أقف في قاعة التدريب أمام أكثر 60 متدربا من رجال الأمن في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ولعل أكثرهم يعرفونني حتى اليوم .. في ذلك اليوم دخلت الشرطة لتقتادني أمام المتدربين ، وأنا بكامل شخصيتي !!
لن أخوض في أسباب ماحدث .. ولكن سأعترف بأني قد أخطأت بنسبة أو بأخرى ..
كانت لحظات .. تشنج فيها فكري / وشعرت بالأرض تتزلزل تحت قدمي .. حاولت أن أتماسك وأتحدث بثقة وثبات ولكن يبدو أن كل شيء أنهار في ثواني .. كانت العيون تحاصرني والاستفسارات في العيون .. والدهشة تغلف الموقف برمته.
في لحظات رأيت شريط حياتي وكأني سأدخل القبر بعد قليل .. مر الماااااضي سريعا في ذاكرتي وكأنه الشريط في نهايته .. يلف ليعود من بدايته.
تذكرت أهلي .. دراساتي .. أصحابي .. معارفي ..
ركبت جيب الشرطة لأول مرة في حياتي .. ومن خلف الشبك .. كنت أنظر الى الجميع في الخارج يتساءلون .. ماهي جريمته ؟
احساس مؤلم .. أسى .. مرارة .. خوف .. قلق .. رهبه .. كل الأحاسيس بلا استثناء شعرت بها تتزاحم دفعة واحد لتضخ الدم في أوردتي وشراييني بلارحمة .. شعرت بقلبي يرجف بشكل مجنون خلف ضلوعي ..
ومع هذا لم أجد دمعة واحدة !!
وفي مكتب التحقيق ، وجدت نفسي مثل الطالب البليد يوم الامتحان .. أو كطفل خائف لا يعرف كيف يتصرف .. تصدقون حتى اسمي .. والله اني تذكرته بصعوبه !!
ومرت الدقائق ثقيلة .. ولأول مرة أشعر بعضلات في وجهي تتحرك حول الأنف .. وأطراف الذقن من ناحية الشفة السفلى
كنت أجلس أرد على برودة أعصاب المحقق .. وعقلي مشتت بين المااااضي .. والمستقبل .. وأهلي .. و ....
وانتهت التحقيقات ليأتي العسكري ويكبل يدي وقدمي .. ونركب الباص الذي يركب فيه أكثر من 50 متهم .. وجلس بجواري أحدهم وهمس في أذني .. معك جوال ؟ قلت ايه قال افتحه وخذ الشريحه لأنهم بياخذون جوالك منك .
وفلا أخذت الشريحة ووضعتها تحت لساني كما أشار علي .
وفي السجن المؤقت ( التوقيف ) تم تجريدي من الغترة والجزمة ( أعزكم الله ) والساعة والجوال .. قبل أن ندخل السجن.
( طبعا لن أتطرق للدروس التي تعلمتها الآن .. ولكن أحببت أن تعيشون معي الحالة من الأول ، وأعدكم نبدأ الدروس من بداية دخولي الى السجن الكبير .. سأعود )
__________________
|