كيف يحمي الجسم نفسه من الميكروبات والأجسام الغريبة؟
تحيط بالجسم البشري من كل صوب وحدب أعداء عديدة وعوامل ممرضة كثيرة، بعضها ينتج من غزو كائنات حية تأخذ أشكالا وأحجاما وأسماء مختلفة مثل الديدان والطفيليات والبروتوزوات والسوطيات والفطريات والبكتيريا والميكروبات الحلزونية والريكتسيا والفيروسات وكل جنس منها يتكون من فصائل عديدة، ناهيك عن الأجسام الكيميائية الجزيئية التي تنتج من تحللها في البيئة وقد تدخل الجسم من أبواب شتى وبوسائل عدة، فمنها ما يدخل عن طريق جروح بالجلد عن طريق ملامستة بالملوثات ومنها مايدخل مع الطعام ومنها مايدخل مع الهواء الذي لا نحيا إلا به ومنها ما يدخل مع الماء الذي نشربه ونستحم به ومنها ما يدخل عن طريق الدم الملوث بالحقن والسوائل العلاجية ومنها ما ينتقل عن طريق المعاشرات الجنسية غير المشروعة ومنها الذي يأتينا من اللحوم المكروبة بالجراثيم والطفيليات والفيروسات ومنها ما يدخل على شكل غبار ومساحيق وما أكثر الأعداء حين تعدها ولكنها برحمة الله ثم بمناعة الجسم مصدودة، فكيف يتم ذلك؟
عندما خلق الله المبدع أجسامنا وهو العالم بما يحيط بها من أعداء زودها بوسائل دفاعية منيعة تصد الأعداء على أعقابهم إلا ما قدر الله لنا فإنه كائن وحاصل لنا. وحصانة الجسم تتم بوسائل دفاعاته المتنوعة والمتخصصة تماما كدفاعات الدول المنيعة فكما للدول سلاح للحدود وجيشها يتكون من سلاح المدفعية وسلاح الصواريخ ذات المدى البعيد وسلاح الطيران وبعض الدول لها سلاح نووي وغيره، كذلك الجسم وسائل دفاعاته متنوعة ويمكن تقسيمها في ثلاث خطوط أو جبهات، هي:
1) المناعة الفطرية أو الجبليةالعامة غير المتخصصة Innate :Immunity
وهي الوسائل الدفاعية التي تحمي الجسم بأذن الله تعالى وتقاوم وتحارب وتمنع وتفتت أي ميكروب أو أي جسم غريب بحاول دخول الجسم ليعيث فيه فسادا ويحدث فيه داء، هذا النوع من الوقاية والحماية ينتج عن وسائل دفاعية غير متخصصة لنوع معين من الميكروبات أو الأنتيجينات ومن هذه الوسائل الدفاعية:
- وجود الطبقة القرنية الصلبة ذات الخلايا الملتحمة والمتراصة بسطح الجلد، فتشكل عائقا منيعا يسهل اختراقه أو النفاذ منه ويدعم ذلك حموضة سطح الجلد الناتجة من سيلان الطبقة الدهنية الحامضيةعلى سطح الجل، والوسط الحمضي يميت معظم الميكروبات خاصة البكتيريا.
- إفرازات المعدة الحمضية، حيث تقوم خلايا بطانةالمعدة بانتاج وافراز حمض الهايدروكلوريك القوي الذي يفتت أجسام الميكروبات الداخلة مع الطعام إربا إربا، هذا بالإضافة إلى الإننزيمات الهاضمة المذيبة لبروتينات بعض الجراثيم ولبعض مكونات الخلايا الميكروبية.
- عصارة الصفراء التي تحتوي على الأملاح الصفراوية تصب في تجويف الإمعاء الدقيقية لها القدرة العجبية في تثبيط نمو وانقسام البكتيريا الضارة ماعدا سالبة صبغة جرام.
- الدموع تحمي بإذن الله العين من الميكروبات لأنها تحتوي على مضادات ميكروبية قاتلة كانزيم اللايزوسوم.
- الشمع الأذني (الصملاخ) وهو أيضا يحمي مدخل الأذن لأنه قاتل للجراثيم.
- اللعاب الذي يحتوي على بعض المواد القاتلة للجراثيم وبعض الأنزيمات القاتلة للميكروبات.
- السائل المخاطي اللزج الذي يبطن جدار القناة التنفسية حيث تلتصق به الميكروبات والأجسام الغريبة الداخلة مع الهواء فتفوم الأهداب الموجودة في بطانة القناة التنفسية بكنس وطرد هذه الأجسام الغريبة للخارج، بالضافة ألى وجود انزيمات مذيبة للميكروبات مثل اللايزوسوم.
- الأهداب الصغيرة الموجودة في بطانة القناة التنفسية تمنع وصول الأجسام الغريبة وذلك بقيامها بعملية الكنس المستمرة للخلف واخراج الأجسام الغريبة خارج القناة التنفسية وتخلصها من شرور هذه الأجسام.
- لبن الأم له فوائد جمة في حماية جسم الوليد من الميكروبات الضارة، لأن الحليب يحتوي على خلاصة مناعة الأم من الأجسام المضادة لأنواع شتى من الميكروبات والفيروسات وغيرها من وسائل الدفاع ومن هنا تكمن أهمية ارضاع الأم لمولودها بلبن ثدييها المخلوقين من أجل تغذية جنينها لاتباهي بهما بجمالها.
- الإنترفيرونات Interferons وهي أنواع من البروتينات غير المخصصة تصنعها وتقرزها الخلايا التي غزتها الفيروسات فعندما تتحد مع الخلايا السليمة تجعلها منيعة للفيروسات الغازية وأي فيروسات أخرى جديدة لأنها تحث الخلايا المحيطة لانتاج كميات كبيرة من الإنزيمات التي لها القدرة على تثبيط مقدرة الفيروس على نسخ وانتاج نسخ كثيرة منه باستخدام خامات وآلية الخلايا وبهذا تقل أعدادالفيروس الغازية تدريجيا وبهذا يتخلص الجسم من شروره.
فكما لاحظت أن هذه دفاعات خطوط أولية جهزالله تعالى أجسامنا بها لتصد كل غريب يحاول الولوج والدخول ليتغلغل في أحشائنا وينتهك حرمة أجسامنا ولكن هيهات له لو نجح فإن دفاعات الجسم غير المتخصصة الثانوية واقفة له بالمرصاد تترقب وصوله لتصل إليه وتصطاده وتبادره بالهجوم، ماهي هذه الدفاعات الثانوية؟
2)- المناعة الخلوية العامة غير المتخصصة General Nonspecific Cellular Immunity
لو تمكنت الميكروبات المعادية من اقتحام الخطوط الأولية لدفاعات الجسم من أحد منافذه، ولنقل، مثلا، من خلال جرح قطعي بالجلد ماذا يحدث؟
تبدأ الدفاعات الثانوية باستنفار ونشر نفسها وتفعيلآلياتها الدفاعية فورا في سلسلة عمليات متلاحقة تبدأ بحدوث إلتهاب شديد Acute Inflammation تحيط بالميكروبات الغازية في خلال ثواني أو دقائق لتحجم الغزو وتمنعه من التقدم والانتشار.
ماهو الإلتهاب ؟
هوالاستجابة الفورية Immediate Response لأنسجة الجسم المغزوة بجسم غريب، كأن يكون نوعا من البكتيريا، وذلك يتم بحدوث تغيرات غير فسيولوجية مكان الغزو، يتميز بتمدد الأوعية الدموية إلى أقصى مدى بسبب افراز كميات من مواد مولدة للالتهاب وموسعة للأوعية الدموية ومن أهمها مادة الهيستامين Histamine والكاينينات Kininsوبعض الانترليوكينات
Interleukins وغيرها من المواد المولدة للالتهاب التي تفرزها أنواع من الخلايا المتخصصة مثل الخلايا الصارية Mast Cells والبيض الحامضيات
Esinophils والليمفاويات التائية T-cells وهذه المواد ايضا تزيد من نفاذية الأوعية الدموية الصغيرة والشعيرات الدموية للنفاذ للسوائل من الدورة الدموية Capillary Permeability للسوائل وذلك يؤدي ألى تورم الأنسجة Oedema في مكان الإلتهاب كما يسمح لنفاذالمواد الكيميائية المذيبة للاجسام والقاتلة للبكتيريا بالتوجه مكان الغزو، وزيادة نفاذية جدران الأوعية الدموية يتيح للخلايا المناعية الدفاعية اللاهمة Phagocytic Cells، وسميت كذلك لأنها تملك خاصية إدخال الأجسام الغريبة والميكروبات داخل احشائها وهضمها بصب انزيماتها الهاضمة والمفتتة لبناءاتها الكيميائية والتشريحية أي تقوم بتفتيتها وابطال مفعولاتها الممرضة أو قتلها للميكروبات الحية الغازية وتمنع تكاثرها وانتشارها، وهي ثلاثة أنواع، هي :
البيض عديدات النوى Neutrophils
وهذه يزداد عددها بشكل كبير في حالة الغلتعابات الجرثومية الحادة، ولدى تكون استجابتها سريعة وفورية.
وحيدات التوى Monocytes
وتشبه في عملها اختها البيض عديدات النوى ولكن استجابتها ابطأ من الأولى ولهاذا يزداد عددها في الدم في حالة وجود التهابات جرثومية مزمنة لم تستطع عديدات النوى تخليص الجسم منه بعد بذل اقصى نشاطاتها الدفاعية.
الخلايا اللاهمة الكبيرة (اللاهمات الكبيرة) Macrophages وهي تتواجد بنوعين، هما
· اللاهمات الكبيرة الثابتة Tissue Macrophages وتسمى باسماء مختلفة حسب النسيج الموجودة فيه وهي تتواجد في معظم أنسجة الجسم متأهبة ومتحسسة لكل داخل غريب بالقرب منها.
· اللاهمات الكبيرة الدوارة Circulating or Mobile Macrophages وهي تلك التي تحمل الرسائل المجموعة عن الميكروبات والأجسام الغريبة لتقدمها للخلايا المناعية المتخصصة، والقابعة في الغدد الليمفاوية المنتشرة في الجسم، والتي تلعب أدوارها الدفاعية والمناعية بعد الحصول عن معلومات وافية عن الأجسام الغريبة والميكروبات الداخلة في الجسم، فتجهز لها ما يناسبها من أسلحة ومعدات فتاكة كالأجسام المناعية المضادة وتخصيص نوعا من الخلايا القاتلة.
ويوجد نوع آخر من الخلايا المناعية غير المتخصصة متواجدة باستمرار في معظم الأنسجة تدعى الخلايا القاتلة الطبيعية Natural Killers) NK)، وهي خلايا قوية وعنيفة جدا في قتلها للجراثيم وسائر الميكروبات الحية الغازية وهي تختلف عن الخلايا اللاهمة الأخرى لأنها لا تدخل الميكروبات داخل أحشائها ولكنها تقذف بانزيماتها الفتاكة واللمفتتة عندما تلامس اجسامها أجسام الأجسام الغريبة والميكروبات.
وتصل مكان المعركة أنواع متعددة من آليات المقاومة والدفاع، منها:
وصول عوامل التجلط خاصة الفايبرونوجين Fibrinogen الذي يبني سورا منيعا حول الميكروبات لاعاقتها وحجز سمومها عن التغلغل والتحرك إلى الأنسجة المجاورة.
تحرر عوامل جذب الخلايا المناعية Chemotactic Factors في مكان الغزو الميكروبي وهي مواد كيميائية تأتي من عدة مصادر ووظيفتها الرئيسية هي جذب الخلايا المناعية اللاهمة خاصة، عديدات النوى، باعداد كبيرة في منطقة الإلتهاب.
الخلاية المغزوة تستهلك كميات كبيرة من سكر الجلوكوز الذي يتولد من استقلابه داخل الأنسجة كميات كبيرة من حمض اللبنيك (اللاكتيك) Lactic Acid الذي يحول الوسط الكيميائي مكان الإلتهاب إلى وسط حامضي قوي يعيق نمو البكتيريا ويساعد على إبادتها.
بعد وصول المعلومات التفصيلية للخلايا المناعية المتخصة (الليمفاويات) بواسطة الخلايا اللاهمة المتحركة، تقوم هذه الخلايا المتخصصة بانتاج وافراز كميات كبيرة من من مواد كيميائية تذوب في بلازما الدم لتأدي أدورا هامة لتنشيط الفاعلات الدفاعية والمناعية، كل حسب تخصصه وتدعى هذه المواد اجمالا الكيمياويات الخلوية الليمفاوية (السايتوكاينات أو الليمفوكاينات) Cytokines or Lymphokines ، ومنها نذكر مايلي:
- الإنترليوكينات Interleukins
- الإنترفيرونات Interferons
- عوامل تفتيت الخلايا السرطانية Tumor Necrotizing Factors
- عوامل تكوين المجموعات الخلوية المتخصصة Colony Stimulating Factors
المناعة الخلوية المتخصصة Specialized Cellular Immunity
وبعد دقائق من حدوث الغزو الميكروبي وعندما تصل أعداد كافية من البيض عديدات النوى تحت تأثير عوامل الجذب الكيميائية Chemotactic factors وتباشر هذه الخلايا دورها المنوط بها وهي أدخال الميكروبات والأنتيجينات الغريبة والأنسجة الميتة المتحللة داخل أحشائها فتقوم بصب أنزيماتها المفتتة التي تقتل الميكروبات. وعندما يصبح الإلتهاب مزمنا وتطول فترته وقد تعجز البيض عديدات النوى عن تحجيمه، كما في الإصابة ببكتيريا السل (الذرن) أو ببكتيريا البروسيلا أو طفيلي الليشمانيا حيث يكون الإلتهاب مزمنا وفي هذه الحالة تصل إلى المنطقة دفاعات أخرى من خلايا مناعية مختلفة تدعى الخلايا اللاهمة النحركة وهي ثلاثة أنواع من الخلايا:
· اللاهمات الكبيرة Macrophages وهذه الخلايا لها قدرة كبيرة على لهم الميكلاوبات و الأنتيجينات والأجسام الغريبة وكريات البيض المهترئة وبداخلها الميكروبات الشرسة وكذلك تلهم أي مخلفات أوأشلاء خلايا ميتة وأي مواد مطروحة في أرض المعركة الحامية التي دارت بين البيض والميكروبات الغازية ! وبالرغم من قوة الأسلحة العاتية التي تستخدمها اللاهمات الكبيرة إلا أن هناك نوعا من الميكروبات شديدة القوى في احداث آلية المرض بحيث لا تقوى عليه اللاهمات مثل بكتيريا السل Tuberculosis والبروسيلا Brucellosis وعصيات الجذام Leprosy وطفيلي الليشمانيا Leishmaniasis والملاريا Malaria وبعض هذه الميكروبات يستطيع الإفلات من أسلحة اللاهمات القاتلة وقد يتكاثر داخلها أو قد يؤدي إلى تفجيرها وقتلها والإنتشار والتكاثر في الأنسجة ولكنه سيواجه دفاعات أخرى أقوى منه وهي آليات المناعة المتخصصة. ولكن وظائف اللاهمات ليس مقصورا على اللهم والتفتيت وإبادة الميكروبات ولكن تقوم بأدوار أخرى ومن أهمها أن بعضها ينتقل من مكان الإلتهاب إلى الغدد الليمفاوية المجاورة لمكان الإلتهاب حاملة ما التهمته من أنتيجينات غريبة عن مكونات الجسم وتقدمه للخلايا الليمفاوية البائية القابعة هناك فتقوم بالانقسام المتكرر لتكون مجموعات منسوخة تتخصص في تصنيع وانتاج أجسام مناعية مصممة لتكون صالحة للتفاعل المناعي مع هذه الأنتيجينات المتخصصة، ولو لا اللاهمات، لما تمكنت من عمل ذلك. وتوجد نوع من اللاهمات الثابتة في أنسجة أعضاء الجسم المختلفة تقوم بنفس الدور الرئيسي المرسوم لها وهي لهم الأجسام الغريبة ويمكن رؤيتها في جيوب الغدد اللليمفاوية والطحال وبين الخلايا الكبدية وبين أنسجة المخ وفي الجلد وفي الأنسجة الضامة ومجموع هذه الخلايا يعرف بالجهاز الشبكي البطاني Reticulo-endothelial System = RES
· النوع الثاني من الخلايا اللهمة المتحركة الذي يأتي مع اللاهمات الكبيرة يدعى البيض وحيدات النوى Monocytes وتساعد اللاهمات الكبيرة ويكثر تعدادها في الدم في حالة وجود التهابات ميكروبية مزمنة مثل السل والبروسيلا والليشمانيا والملاريا أو الفيروسات المزمنة.
· كذلك تصل إلى منطقة الإلتهاب نوع من الخلايا تدعى الخلايا القاتلة الطبيعية (القاتلات الطبيعية) Natural Killer Cells (NK) وهي خلايا تنجذب وتتجمع مكان الإلتهاب المزمن عندما تعجز البيض عديدات النوى عن تخليص الجسم من الميكروبات الغازية، وهذا النوع ليس كالخلايا اللاهمة فإتها تقتل الميكروبات بصب موادها وإنزيماتها الفتاكة عندما تلامس أسطحها أسطح خلايا الميكروبات وليس بادخال الميكروبات في اجشائها كما تفعل الخلايا الآنفة الذكر (أي هي خلايا غير لاهمة).
3)- المناعة المتخصصة أو النوعية Specific Immunity
وسميت كذلك لأن المناعة هنا تتم بانتاج وبتخصيص أنواع من المواد تدعى الأجسام المناعية المضادة Antibodies or Immunoglobulins أو خلايا مناعية تائية متحسسة ٍSensitized T-Cytotoxic Cells مخصصة للتعامل مع نوع معين واحد فقط من الميكروبات أو الخلايا أو الأنتيجينات الغريبة عن الجسم، عندما تعجزالدفاعات العامة في الجسم عن ذلك، وتتكون من نوعين من الخلايا المناعية المتخصصة، هما:
أ) الخلايا الليمفاوية البائية B-Lymphocytes
وتنتج الأجسام المضادة النوعية المتخصصة للتفاعل مع أنتيجينات معروفة لتخليص الجسم منها.
ب) الخلايا الليمفاوية التائية T-Lymphocytes
وهي الخلايا المتخصصة لتفتيت الخلايا الغريبة عن الجسم بنفسها مباشرة ولذلك يدعى هذا النوع من الدفاع المناعة بواسطة الخلايا أو المناعة الخلوية Cell-Mediated Immunity