[الراهب]

لم يحالفنا الحظ في عالمنا العربي أن نرتقي بعلم المحاسبة وتطويره أو المساهمة فيه بشكل فعال ويعود ذلك الى أسباب اقتصادية لم نمر بها, وانما ساهم الغرب بشكل أساسي في منهجة هذا العلم وهذا يتضح من استقراء التطور الفكري للمحاسبة خلال العقدين الماضيين , وان هذا التطور وهذه المنهجة العلمية لم تكن لتحدث لولا الثورة الصناعية التي اجتاحت الغرب وخلقت نماذج اقتصادية فريدة وتكتلات ومشاريع جبارة أدت الى توسيع رقعة الشطرنج وكثرة اللاعبين والمؤثرين في المسيرة الاقتصادية ففي الوقت الذي كنا فيه نستمتع بالسلع الغربية ونتعجب من طريقة صنعها وكيل المديح لها ,كانت هناك مجتمعات اخرى تبحث وتنقب وتحسن وتثري العلوم وتستقرئ التجارب وتستفيد منها وتستدل على سقطاتها باسلوب علمي منطقي ومقبول وتعمل على معالجتها وتقويمها وخلقت لنفسها تراكمات معرفية موثقة أصبحت المنار لها ولغيرها من الشعوب ونحن من هذه الشعوب المتطفلة على غيرها نعيش ونقتات بالمتساقط من أفواه غيرنا .
لا أتحدث عن مأساة بل حقائق موجعة وموغرة , لقد همشنا أنفسنا بطريقة فجة وقمنا بتبني فراخا غير فراخنا , فالمعايير المهنية التي تبنتها جميع الدول العربية لم ترتكز الى واقع تجريبي في الكثير منها , بل حملت في مضامينها ألفاظا ومصطلحات لا وجود ولا معنى واضح وموثوق لها في لغتنا العربية , فالالفاظ اذا لم تكن تحمل مدلولات فلا معنى لها ولا يمكن أن نؤسس لشئ لا يوجد له قاعدة في اللغة العربية فلقد صيغ هذا العلم بلسانيات اخرى لها ثقافاتها ومدلولاتها المتعارف عليها في مجتمع معين ,فاسم هنا قد يعتبرشيئا اخر في مجتمع ما .
هذا في حد ذاته أعتبره قيدا على تحريك عملية الابداع وعملية العصف الذهني للعقول لتتولى التجديد والتجديف في بحور العلم , لقد درسنا المحاسبة وللاسف لم ندرس نظرية المحاسبة كيف نشأت وتطورت وأهدافها ومفاهيمها بل خذه فغلوه من ح/ الى ح , هذا هو الواقع الاليم لتعليم المحاسبة في السلك الجامعي يدرس لك علم لا تعرف أساسه ومرجعيته ومفاهيمه الحقة ولذلك تجد الطالب المتخرج من الجامعة كمتخصص في المحاسبة ذو فكر مشوش ويعاني كثيرا حيث لا تزال المفاهيم لديه متأرجحة لا تثبت على قرار كمفهوم المدين والدائن والاصل والخصم وكلها تعتبر للكثيرين مفاهيم مشوشة حتى بعد التخرج لماذا ؟!!!!!!!!!
اذن نحن بصدد وجود مشكلة لدى الملقن والمتلقن فكما تعلم الاول يعلم الثاني وفاقد الشئ لا يعطيه . فليستعيد كل منا ذاكرته الى الزمن الذي كان يتلقى فيه هذا العلم هل يتذكر بأن دكتورا قد قام بشرح وتفسير نظرية المحاسبة بطريقة تسهل للطالب للدخول في معمعة المدين والدائن سأتوقع الاجابة
لا أتذكر ؟!!!!!!!!!!
وحتى من درسوا هذا العلم بلسانيات اخرى غير اللغة العربية يجد صعوبة فائقة وكبيرة لمقارنتها بلسان اللغة العربية , نتحدث عن الحياد مثلا وهو لفظ موجود في الادبيات المحاسبية الغربية فمدلوله في اللغة العربية خلاف ما يقصد به في هذه المفاهيم المستوردة فيقال فلان ( حاد عن الحق ) أي ابتعد ومال عنه فهل نصر على استخدام هذا اللفظ , فعندما تقول يجب أن يكون مراجع الحسابات محايدا فكأنك تطلب منه شيئا اخر غير العداله أي تطلب منه أن يحيد أي يميل عن الحق .
ووهناك ألفاظ كثيرة وردت في الاطار الفكري للمحاسبة سواء الامريكية أو الدولية لا تعطي نفس المعنى في اللغة العربية , فلغتنا زاخرة بمعاني تعطي استدلالات محددة وموفقة في تحديد ما يجب أن يكون عليه الاطار الفكري للمحاسبة , وساهم الكثير من الدارسين العرب في تحقيق هذه البلبلة في العلم لأنهم حملوا عن قصد أو غير قصد هذه المفاهيم عند رجوعهم الى بلادهم واستخدموها وفقا للقناعات المتحققة في ذواتهم نحوها
فأخذ طلبة المحاسبة من هذا وذاك دون ركيزة لغوية يمكن الاستناد اليها في تحديد وبلورة المفاهيم بشكل جيد , وأصبح الجدل بين المحاسبين من الامور المسلم بها سواء في الطرح والنقاش , وساهم هذا الجدل الى وجود فجوة علمية نحو تحقيق الابداع والبحث عن كل ما هو جديد .
فلو كان الاطار الفكري مصاغ بألفاظ محددة وواضحة وبعيد عن استخدام الالفاظ التي لها مدلولات متعددة والتي تخلق التشويش لدى المتلقي وتجعله متحجرا فاقد الثقة في نفسه وفي لغته أيضا .


من وحي القلم

نور العيون

من مواضيعي في منتدى المحاسبين السعوديين , ويبين الطرح عمق المشكلة التي يواجهها دارسي العلم

وخاصة بالنسبة لقواعد واساسيات العلم التي يفتقدها الكثير من الطلاب , والتي يعتبرونها من قبيل الطرح النظري .
ان المشكلة القائمة في تدريس علم المحاسبة في الجامعات , أنهم يبدؤن في المدين والدائن زي الصواريخ دون التعرض الى القاع واللبنة الاساسية في التعلم .
ولو قلنا لأحدكم ما معنى المدين والدائن , لسمعنا الاجابة التالية
المدين أخذ
الدائن أعطى
علما بأن هذا الكلام غير صحيح في مطلقه , بل هناك اجابات اخرى خلاف هذا المفهوم .
من أراد العلم فليشاركنا بتفكيره وحواسه الخمس
ومن أراد أن يطلع فحسب فلا بأس
ومن أراد التعليق فمرحبا ألف
الراهب
نور العيون