حينما بكى الجميع...!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحدث:حريق بإحدى الفيلل..
المكان:جدة..إسكان وزارة الداخلية..
اليوم:الجمعة..؛
التاريخ:26/5/1429
الساعة:الثانية عشر ليلا..
ــــــ
الساعة تشير إلى الثانية عشر بعد العشر الدقائق كنت قد عزمت على مذاكرة إحدى المواد ترقبا لإختبارها الذي سيكون بالغد..
قبل أن ابدأ في ما أنا في صدده..؛
إذ بباب الغرفة يكاد يخلع من شدة الطرق ..؛
خرجت إذ بأحد إخواني يصيح بي قائلا:
بيت أحد الجيران يحترق وأهله بالداخل ...!!!
ركضت ولا أدري إلى أين اذهب...؛
إذ إن هذا الجار من أفضل الناس خُلقا ومن أدومهم على الصلاة بالمسجد هو وابنائه..
رأيت أبي يجري أمامي وأنا خلفه أركض..؛؛؛
وصلت إلى فيلة جارنا ورأيت الدخان و ألهبة النار تشتعل في أرجاء البيت...
قوات الدفاع المدني تنتشر في أرجاء المكان؛
سيارات الهلال الأحمر متواجدة؛؛؛ ولا أنسى كظيظ المتجمهرين من الناس الذين ساهموا في عرقلة ما يمكن عمله؛؛؛
رأيت صاحب المنزل أبا محمد ورأيت وجهه يكسوه سوادا قاتما من آثر الدخان ..!
علمت فيما بعد أنه كان بداخل البيت لكنه استطاع الخروج بقوة كبيرة هو هو أحد أبنائه؛؛
رأيته يستنجد بالدفاع المدني ؛
قائلا:أولادي وزوجتي بالأعلى؛؛؛
ويعيدها مرة وثانية وثالثة ومرات؛؛؛
يدخل رجال الدفاع المدني وهم أربعة تقريبا ويعودون كما هم قائلين:لا يوجد أحد؛؛
يصيح بهم أولادي وزوجتي فيقولوا:لا يوجد أحد؛؛؛
تزداد حسرته ويزداد آلمه وهو يعلم يقينا أنهم بالأعلى؛؛؛
علمت أثناء الحريق أن والد صاحب الفيلا وهو رجل كبير في السن ومقعد على كرسيه قد فارق الحياة بعد أن ظل يصارع ألهبة النار لكن لم يسعفه كبر سنه و شلله ..
أخرجوه وهو متفحم و به تكون أول الوفيات (1)
يذهب الأب – صاحب الفيلا- إلى أبيه المقعد فهو يرجو بصيص أمل بنجاته لكن أتى ما قضاءه الله؛؛
يذهب الأب مرةأخرى إلى رجال الدفاع يستنجدهم ابنائي بالأعلى فالرد هو هو لم يتغير: لا يوجد أحد بالمنزل...
يطلب منهم أن يدخل- الأب - لإنقاذهم ويطلب منهم إحدى الكمامات لكن لا فائدة فالجواب هو الرفض...
بعد محاولات كثيررررة أُعطيَ الأب المكلوم كماماة ودخل مع رجال الدفاع المدني وذهب إلى الدور العلوي من الفلة وإذ الفاجعة تنتظره ها هي زوجته وثلاثة من أبنائه وقد أصابهم الإغماء من جراء الدخان والأب لا يعلم حالهم؛؛؛
يخرج رجل الدفاع حاملا أحد الأطفال والألسن تلهج بالتكبير والشهادة..
يخرج رجل الدفاع الثاني حاملا أحد البنات وهي شبه ميتة إذ أن وجها يوحي بذلك؛؛
يخرج الأب وهو يحمل الطفل الثالث والألسن تلهج بالتكبير والشهادة..
يتم الكشف عليهم من قبل رجال الهلال الأحمر والأب يترقب ويصيح برجال الدفاع قائلا: زوجتي بالأعلى..
كنت بجانب أحد الأطفال حيث يتم الكشف عليه يحاولون عمل التنفس الإصطناعي له وإعطائه شيئا من الأكسجين لكنه قد أسلم الروح إلى باريها وهو الضحية الثانية(2)
أتاني أحدهم وأخبرني بموت الطفلة وهي الضحية الثالثة(3)
الطفل الأخر يحاول رجال الدفاع إنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن إرادة الله وقعت فكان الضحية الرابعة(4)
الأنفس متوجسة والقلوب ربما واقفة ينتظرون حال زوجة الرجل إذ هي آخر ما تبقى له من الخمسة الذين أخرجوهم من البيت وهي أم أطفاله ..
المحاولات لإنقاذها على قدم وساق الأب بجوار زوجته ينتظر ما تؤول لها الأمور ....!
انتهت ربع ساعة منذ خروجها..
بعدها رأيت الأب المكلوم يركب سيارة الإسعاف حينها علمت أن زوجته قد انتقلت إلى جوار ربها...؛؛
رحماك ربي رحماك.......؛؛؛
كيف سيكون حالك يا أبا محمد؟؟؟
وأنت ترى أباك مسجى أمامك!! زوجتك مع أطفالك الثلاثة أموات أمامك؛؛؛
إنا لله وإنا إليه راجعون؛؛
انتقلت إلى المستشفى حيث الأب وابنه الوحيد الذي نجى يرقدون بها..؛؛
وصلت إلى الغرفة سمعت صوت الأب وهو يحوقل ويصبر نفسه حيث كان رجل صابر ومحتسب كيف لا يكون كذلك؟؟ وهو من أهل الصف الأول..
الإبن بجانب أبيه والأسى يكسو محياه لا أدري هل يعلم ماذا حصل أم لا؟
لكن في اعتقادي أنه يعلم أشد العلم أنهم قد ماتوا رأيت تلك الدمعة البريئة على وجنتيه الملطختين بسواد الدخان...
يدخل أحد الأبناء علمت انه أبنه الذي يدرس بكلية ينبع ..
كان معهم في ذلك اليوم يوم الجمعة وسافر العشاء على ما اعتقد قبل أن يصل إلى ينبع أتاه اتصال ينبئه بما حدث..؛؛؛
دخل..؛
رأى أباه سلم عليه وعلى اخيه؛؛
كان شابا صابرا محتسبا سمعته يقول: هذا قدر الله؛؛؛
أخاه الاكبر وهو ضابط في المنطقة الشرقية في الطريق قادم إليهم؛؛؛
قال أبو مصعب :ــــ
1.هب الكثير من جيران صاحب الفيلا لإنقاذ ما يستطيعون إنقاذه لكن مع قلة ذات اليد ومع قلة إمكاناتهم لم يستطيعووووا فعل شي لكنهم أبلوا بلاءاً حسنا؛؛
2.ظهر الكثير من الخلل على جنبات فرق الدفاع المدني فلم يكن لديهم أجهزة لقطع نوافذ الحديد المنتشرة في أرجاء الفيلا والتي أعاقت إنقاذ العائلة...
ولم يكن معهم أجهزة شفط الدخان ...؛
ولم تكن معهم أنوار قوية لإنارة الفيلا التي قطعت عنها الكهرباء؛؛؛
وهذا الأمر أزعج الحضور من جيران صاحب الفيلا أزعجهم كثيرا كثيرا ؛؛؛
3.ردود أفعال بعض رجال الدفاع المدني أزعجتنا كثيرا حيث بعضهم ينكر وجود أحد ويعلل خوف صاحب الفيلا بانه طبيعي وينم عن حرصه على أبنائه بينما أبنائه غير موجودين وهذا الأمر الذي أزعجنا كثيراااا؛؛
حتى أن بعضهم أراد أن يتشاجر مع أحد الجيران بعد أن وصل الأمر إلى الملاسنة حتى كادت ان تؤول على مآلات لا تحمد عقباها؛؛
3.الأب كان متماسك وصابر ولا يكل ولا يمل عن الدعاء والحوقلة والاسترجاع..؛؛
4.أحد رجال الدفاع المدني وكان من الذين أخرجوا الرجل المقعد – أبو صاب الفيلا- قال بأن المقعد إنحرق منه كل شي إلا موضع السبابة حيث رآها مرفوعة إلى السماء وكأنه يتشهد<<<إنها حقا من الكرامات التي وهبها الله لذلك المسن المقعد فهو حريق والحريق شهيد بإذن الله ؛؛
5.صاحب الفيلا هو وأبنائه الثلاثة الذين لم يتعدى أكبرهم سن الثالثة عشره معروف عنهم التبكير للصلاة وأنهم من أهل الصف الأول وصلاة الفجر والمغرب عندهم سواسية في التبكير..
رحم الله من مات منهم..
سيفقدهم مسجدنا..
سيفقدهم أصحابهم..
سيفقدهم إسكاننا الداخلي؛؛
ستفقدهم الدنيا كلها؛؛
سيفقدهم الكل...؛؛؛
6.الكثير من الناس تأثروا لما انتهى إليه حال هذه الأسرة لكن...!
لله الأمر من قبل ومن بعد؛؛؛
7.أحد الأطفال المتوفين وجد مكتوبا على طاولته بالمدرسة :( سبحان الله ولا إله إلا الله..)
وكان في يوم الأربعاء - الأخير في حياة هذا الطفل - كان الفصل قد أخذ مع مدرسه درساً بعنوان:
< فضل يوم الجمعة..>
فما كان من هذا الطفل المتوفي إلا أن قال حينها :
(يا رب أموت يوم الجمعة)
كما نقل إلي أخي الأصغر..؛
فكان ما دعا به حقا حيث وافته المنية يوم الجمعة..؛؛
8.يحكى أن الأم ماتت وهي تحمل بين جنبيها جنينا لم يرى النور؛؛
كان الله في عون هذه العائلة مصابهم جلل وما حل بهم قد لا يقوى عليه الكثير....!
وختاما..؛
آمنا بالله وآمنا بما قضى الله وإنا لله وإنا إليه راجعون؛؛
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لمصابكم يا أبا محمد لمحزنون؛؛؛
هذه أيها الأحبة..؛
حال الدنيا لا تدوم على سرور وليس لها ثبات على أمر معين؛؛
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حال
وهذا إن دل فإنما يدل على حقارة هذه الدنيا وأنها ليست بدار بقاء ...؛
لذا يجب على الواحد منّا أن يعمل لها على قدر أهميتها وأن لاينسى الدار الباقية السرمدية الأبدية الدار الآخرة؛
اللهّم يا ربنا ويا إلهنا ويا سيدنا ويا خالقنا ..
نسئلك اللهم بإسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن تثبت قلب أبا محمد وأن تخلفه خيرا في مصابه ..؛
وأن تنزل على عائلته رحمة من رحماتك؛؛
وان تجعل قبورهم من رياض الجنان واكتبهم في عداد الشهداء ..
وشفعهم في أبائهم ؛؛
اللهم آمين؛؛؛
إنك أنت سميع الدعاء؛؛؛
وكتبها :
أبو مصعب
عاشق البرمجة
26/5/1429
التعديل الأخير تم بواسطة عاشق البرمجة ; 11-06-2008 الساعة 10:03 PM.
سبب التعديل: التاريخ
|