بسم الله الرحمن الرحيم
واحب ان انقل اقوال طلاب العلم لدى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، واسكنه فسيح جناته، واخبارهم لسيرة هذا العالم الفاضل، واليكم سيرته من خلال رواية طلابه:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ، أما بعد:
فهذه مقتطفات من أقوال طلاب الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وسلمه ، نقلتها من مجلة الدعوة العدد1638 _26ذو الحجة 1418هـ/ 23 ابريل 1998م ، وأسأل الله أن ينفع بها الإخوان وأن يقتدوا بهذا العلم من أئمتنا.
*بن باز في عيون طلابه
انطلقت المسيرة التعليمية لسماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في عام 1357هـ في مدينة الخرج بعد أن عيّن قاضيا لها.
حيث بدأ سماحته في تدريس العلوم الشرعية في أحد مساجد الخرج ودرس على سماحته العشرات من أبناء نجد وغيرها، حيث تلقوا العلوم الشرعية من سماحته.
وفي عام 1371هـ بعد أربعة عشر عاماً من التدريس في الخرج انتقل سماحته إلى كلية الشريعة في الرياض حيث شرع في تدريس طلاب العلم في الكلية، وفي المساجد، وتتلمذ على يديه جمع غفير من الناس.
وفي أوائل العقد الثامن من القرن الرابع عشر انتقل سماحة المفتي إلى المدينة مديرا للجامعة الإسلامية بالمدينة فافتتح فيها حلقاته العلمية التي انكب عليها الطلاب من كل حدب وصوب وانتفع بها العشرات من طلاب العلم.
وفي شوال من عام 1395هـ عاد سماحة الشيخ لمدينة الرياض بعد أن عين مفتياً عاماً للمملكة، ومنذ ذلك الوقت افتتح سماحته دروسه العلمية في الجامع الكبير، فانخرط طلاب العلم فيها من شباب هذه البلاد، وأضحت دروس سماحته يشد لها الرحال من هنا وهناك.
وخلال هذه المسيرة التعليمية المباركة تخرج من المدرسة البازية مشايخ كبار، ودرس فيها العديد ممن لهم اليوم مواقع علمية ودعوية، وأخذ عن سماحة المفتي المئات من طلاب العلم.
ووفاءً منا في مجلة (الدعوة) لشيخنا العلامة، وقياماً برد شيء من جميل وفضل شيخنا علينا، التقينا ببعض من أخذ من علوم الشيخ واستفاد منها، ووزعنا على بعض طلاب الشيخ بعض الأسئلة المتعلقة بهذه الدروس ونشأتها وأبرز المواقف التي حصلت في ثناياها إلى غير ذلك من المحاور التي ستجدها على صفحات هذا التحقيق.
- المحور الأول:
يتعلم المتعلم من عالمه من آدابه وسمته وأخلاقه فيا ترى ما هي أبرز السجايا والأخلاق التي استفادها طلاب سماحة الوالد من جلوسهم بين يديه؟
يقول الأخ ضيدان اليامي:
أثناء جلوسي بين يدي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز نهلت من أخلاقه الشيء الكثير ومن أبرز ذلك:
1_ حرصه المتواصل على نشر الدعوة وتغيير المنكرات.
2_ التواضع والبساطة في جميع أموره وأحواله مع الصغير والكبير.
3_ ملازمة الأذكار والأوراد في أوقاتها.
4_ اهتمامه بعلم الحديث سنداً ومتناً وحفظاً مع العناية بفهم الحديث.
ويضيف الأستاذ عبدالله بن مانع الروقي قائلاً:
إننا كما نتعلم من شيخنا الأحكام في دين الله، نأخذ منه الأخلاق الكريمة ومن ذلك الورع والخشية، وخوف الله، والرغبة فيما عنده، ويظهر ذلك جلياً عل الشيخ عند نصوص الوعد والوعيد، وهذا هو المقصود من العلم قال الله تعالى: (نما يخشى الله من عباده العلماء).
ويقول الشيخ/ عمر أحمد بافضل:
نهلت من أخلاق سماحته الكرم والسخاء والتواضع والتي أكسبته محبة الكثير من الناس وتقديرهم واحترامهم.
تواضع وصبر:
أما الأخ أبو عبدالعزيز الموظف في الشؤون الإسلامية فشده من أخلاقيات الشيخ التواضع والصبر والجلد على إلقاء الدروس والإجابة على الأسئلة مهما طالت ومهما كان فحواها ومهما كان السائل.
ويقول أحد الطلاب:
يعتبر الشيخ مدرسة أخلاقية متكاملة، فما من خُلُق إلا وقد ضرب فيه الشيخ بحظ وافر، فصدق اللهجة، وطيب الحديث، ورحابة الصدر والأناة، وغيرها من سائر الخصال الكريمة يمتع بها الشيخ، وكذلك حرصه الدائم على تطبيق سنة البشير النذير عليه الصلاة والسلام في جميع شؤونه.
- المحور الثاني:
التعامل مع السائلين:
لاشك في أن سماحة الشيخ من كبار أهل الذكر الذين أُمرنا بسؤالهم إذا كنا نجهل شيئاً من مسائل ديننا. ولا تكاد ترى الشيخ في بيته أو شارعه أو عمله أو سيارته أو درسه إلا والسائلون حوله زرافات ووحدانا. فكيف يتعامل الشيخ مع السائلين في درسه؟
رحابة الصدر:
وهاهو أحد الطلاب يروي لنا قصة الشيخ مع أحد الأعراب:
جاءه مرة أعرابيا يسأله في طلاق امرأته فأفتاه الشيخ ببينونتها منه وأنها لا تحل له بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره.
فما زال الأعرابي يراجعه والشيخ يعيد عليه حتى قال له الأعرابي بلهجته العامية: »تكفي يا شيخ علشاني« فما زاد الشيخ عندها إلا أن قال لمن حوله: أعطوني العصا .. هي لعبة. ولم يكن الشيخ غاضباً وإنما أراد إفهام الأعرابي أن هذا الأمر لا تهاون فيه.
ويضيف الأخ عبدالله العتيبي متحدثاً عن ذات الموضوع:
لاشك أن من صفات شيخنا رحابة الصدر للسائلين، والترفق بالمتعلمين مع علو شأنه وارتفاع قدره - زاده الله - وهذه صفات علماء الآخرة.. فلم يحملهم ما هم فيه من رفعة المكانة على الترفع عن الخلق.. بل ما زادهم إلا تواضعا..
تكرار السؤال وخلق الشيخ:
وأذكر لشيخنا من الأمثلة أنه سئل عن حكم سجود التلاوة فقال: سنة مؤكدة، وسأله آخر عن السؤال نفسه فقال: سنة مؤكدة. بل سأله ثالث - ولعله لم يسمع الإجابة كالذي قبله - فأعاد الشيخ الإجابة بطيب نفس، ولم يكبت السائلين.
50 سؤالاً في درس واحد:
وقد قام الأخ ضيدان بن عبد الرحمن اليامي مرة بإحصاء عدد الأسئلة التي طرحت على الشيخ في أحد الدروس بعد صلاة المغرب فوصلت إلى خمسين سؤالاً حتى ملَّ صاحبنا من العد والإحصاء والأسئلة ما زالت تتوالى على شيخنا ابن باز وهو يجيب عليها دون ملل. ويختم الشيخ عمر أحمد بافضل بأفضل المشاركات في هذا المحور بإيراد هذا الموقف الذي حصل له مع سماحة الشيخ:
فلقد شغلني مرة أمر وأقلقني وعند خروج الشيخ من المسجد بعد الدرس وكعادة طلبة العلم والسائلين ينكبون عليه حتى يركب السيارة، بل حتى وهو في السيارة، وعند تأهب السيارة للانطلاق اقتربت منه وقلت له: لديَّ استفسار هل أذهب معك إلى البيت وهل أجد فرصة.
فقال: نعم الآن، وأوقف السيارة وأدخلني جنبه وأعطاني جواب استفساري فوراً والسيارة واقفة ثم خرجت مسروراً مقدراً له الأريحية ورحابة الصدر - فهذا الكلام ما كنت أنتظره - كنت أنتظر أن يقول راجعنا غداً في المكتب أو اِلحق بنا، أما الجواب الفوري هكذا بهذه السرعة وقد همَّ بالانصراف فيقف ليستمع ويجيب فلا يقدر عليه في نظري إلا الشيخ ابن باز أو من كان على مثل خلق ابن باز جزاه الله خيراً.
وإنك لتجد سماحة ورحابة صدره حتى مع أصحاب الأسئلة الغريبة العجيبة الناشزة والمتكررة في أكثر أيام الدرس، وهذا أراه مما يتميز به شيخنا حفظه الله، وهو مما نلفت النظر إليه، نظر المدرسين والمعلمين، فلا يسخر ولا يستهزئ ولا يضحك ساخراً من سائله سؤالاً مضحكاً منبئاً عن جهل عظيم، وربما دل السؤال على بلادة في الفكر والعقل.
الشيخ عندما يبكي:
- المحور الثالث:
1_ عندما بكى ابن باز !!
دموع سماحة الوالد ليست ملكاً له، فعينه تغلبه كثيراً عندما تقرأ عليه آية من كتاب الله، أو يسمع حادثة من حوادث السيرة النبوية أو يحكى له موقف مؤثر من الماضي أو الحاضر. وهاهم طلابه يتحدثون عن هذا الموضوع.
فقد سألنا أحد طلاب الشيخ عن أبرز المواطن التي تغلب الشيخ فيها دموعه فيبكي فأجاب:
شيخنا قريب الدمعة يبكي كثيرا حتى إن بكاءه يصل إلى حد الجياش الشديد، فهو يبكي عند ذكر الوعد والوعيد، ويبكي عند حصول بعض المصائب لبعض المسلمين، ويبكي عند حصول بعض الغرائب في الدين التي هي من أعظم المصائب، ويبكي عند ذكر السلف الصالح وأحوالهم في الزهد والتقشف، ويبكي حين تذكر شيوخه وإخوانه الذين ماتوا قبله، أو حين تحل بهم أقدار الله.
قلب رقيق:
ويكمل الحديث أحد الطلاب الذين يحضرون دروس سماحة الشيخ منذ عام 1399هـ فيقول:
الشيخ حفظه الله يملك قلباً رقيقاً متأثراً بكل ما يسمعه من الآيات والأحاديث النبوية وكذا سيرة الصحابة رضي الله عنهم، فكم من آية من كتاب الله وقف الشيخ عندها متأثراً باكياً لما فيها من الوعيد وكذا ما أعده الله من النعيم، وكم حديث أثار أشجان الشيخ فبكى متأثراً مما ورد فيه كقصة الإفك مثلاً وكذا توبة كعب بن مالك وغيرها من الأحاديث.
وأذكر مرة أنه قُرأ على الشيخ حديث: (إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الملوك، لا مالك إلا الله) قال سفيان: مثل شاهان شاه، فكان القارئ وهو أحد تلاميذه قرأها (شاهٍ شاه) فقال الشيخ مصححاً له: (شاهانَ شاه) هكذا قرأتها على سماحة شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله.. فما كان من الشيخ إلا أن دمعت عيناه وغلبه البكاء لأنه تذكر شيخه سماحة العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله-.
فكان هذا موقفاً لا أنساه، ودمعة على وجنتيّ شيخنا لا أنساها أبداً.
ويبدو أن لمواقف السيرة النبوية أثراً عظيماً في قلب شيخنا ابن باز حيث إنه كثيراً ما يتأثر عند سماعه بعض أخبارها.
و ها هو الأخ عبد الله الروقي يعد لنا بعض هذه المواطن.
أذكر منها: بكى عند قصة تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه عن غزوة تبوك، وبكى عند حديث الإفك وقصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في ذلك، وبكى عند حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي رواه أحمد (ساعاتي ج 1/ 75 - 77) في قصة الأعرابي الذي أسلم ثم وقصته دابته فقال عليه الصلاة والسلام: (عمل قليلاً وأجر كثيراً)، وبكى عند بيعة الأنصار رضي الله عنهم للنبي r في بيعة العقبة الثانية، كما تأثر كثيراً عندما قريء عليه من زاد المعاد باب فتح مكة، وكان يكثر فيه من الصلاة على الرسول r ، وغير ذلك مما يطول.
حادثة الإفك:
ويقول الأخ فهد السنيد إنه ما رأى الشيخ متأثراً كما رآه عندما قرأت عليه حادثة الإفك إذ تأثر الشيخ وبكى طويلاً، وقد غلبه البكاء مرة عندما قرئت عليه مقولة أبي بكر رضي الله عنه عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
|